تحليل مضمون

من التاريخ.. ضجة أثارها كينيدي بخطابه في برلين أثناء الحرب الباردة

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، اقتسمت القوى المنتصرة على ألمانيا لأربع مناطق نفوذ. وعلى أنقاض المناطق القابعة تحت نفوذ كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، قامت يوم 23 مايو 1949 جمهورية ألمانيا الاتحادية التي اتخذت من مدينة بون (Bonn) عاصمة لها.

وبالجهة المقابلة، تحوّل الجزء الخاضع للاتحاد السوفيتي لجمهورية ألمانيا الديمقراطية بحلول شهر أكتوبر من نفس العام واتخذ من برلين الشرقية عاصمة له.

وعلى الرغم من تواجدها بعمق القسم الشرقي، قسمت برلين بدورها بين المنتصرين وتحولت فيما بعد لمصدر قلق للاتحاد السوفيتي بسبب تسارع وتيرة فرار سكان ألمانيا الشرقية نحو الغرب عبرها. وفي الأثناء، عرف القسم الغربي من برلين حصارا خانقا بداية من شهر يونيو 1948. وقد استمر هذا الحصار لنحو 11 شهرا أقدم خلاله الأميركيون وحلفاؤهم على نقل ما يعادل 2.3 مليون طن من المواد الغذائية والحاجيات الأساسية لسكان برلين الغربية عبر جسر جوي.

بعد مضي أشهر قليلة عن استلامه لمهامه بشكل رسمي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، التقى جون كينيدي بنظيره السوفيتي نيكيتا خروتشوف بالعاصمة النمساوية فيينا مطلع يونيو 1961. وبدلا من تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، اتجه خروتشوف للتصعيد مهددا سيادة برلين الغربية وتحدث لكينيدي معلنا أن الكرة حاليا بملعب الأميركيين لتقرير مستقبل العالم وتحديد ما إذا ستكون هنالك مواجهة عسكرية أميركية سوفيتية أو لا. وعن هذا اللقاء بخروتشوف، أكد كينيدي لأحد صحافيي نيويورك تايمز أنه كان أسوأ شيء حصل في حياته.


وأمام تواصل هروب أهالي ألمانيا الشرقية نحو الغرب عبر برلين المقسمة، أيد نيكيتا خروتشوف تشييد جدار ببرلين لإنهاء أزمة الهجرة وإجبار الألمان على البقاء بالقسم الشرقي وتحمل ويلات تدهور الأوضاع المعيشية. ويوم أغسطس عام 1961، قسمت برلين لقسمين بالأسلاك الشائكة التي عوضت فيما بعد بكتل خرسانية.

زيارة وخطاب مثير للجدل

يوم 23 حزيران/يونيو 1963، عاد جون كينيدي مجددا لأوروبا لأول مرة منذ لقائه بخروتشوف بفيينا قبل نحو عامين. وخلال هذه الرحلة، زار كينيدي مدن بون وفرانكفورت وكولونيا بألمانيا الغربية، أين استقبله مئات الآلاف من الألمان، قبل أن يتوجه فيما بعد نحو برلين الغربية في تحد واضح للاتحاد السوفيتي. وأثناء تنقله نحو برلين الغربية، التي زار مواقع هامة بها كنقطة تفتيش تشارلي، أدخل كينيدي تعديلات على خطابه، الذي كان سيلقيه أمام أهالي المدينة، وأضاف إليه بعض الكلمات الألمانية.
وفي الأثناء، تجمهر نحو 120 ألفا، مصادر أخرى رجحت أن العدد يقارب 400 ألف، من سكان برلين الغربية أمام مبنى البلدية لسماع خطاب كينيدي.

وخلال كلمته، حاول كينيدي ارسال رسالة لمن تحدثوا عن إمكانية تعاون الأميركيين مع الشيوعيين ودعاهم لزيارة برلين لمتابعة الأمر على أرض الواقع. فضلا عن ذلك، استعمل الرئيس كلمات أثرت في الحاضرين قائلا “قبل ألفي عام كانت أكثر جملة مدعاة للفخر هي أنا مواطن من روما. واليوم في عالم الحرية أكثر جملة تدعو للفخر هي أنا مواطن من برلين”. لاحقا، ختم كينيدي خطابه بكلمات “أنا فخور بأن أقول إنني برليني” خالقا موجة من التصفيق بين الحاضرين الذين تفاءلوا بقدومه وتعاطفه معهم.


بالسنوات التالية، ظهرت بعض التصريحات التي نقدت خطاب كينيدي وأكدت أنه أساء استخدام الألمانية دون قصد بقوله إنني برليني بالألمانية (Ich bin ein Berliner). فبدلا من ذلك، كان على الرئيس الأميركي استخدام Ich bin Berliner فقط دون استخدام أداة التنكير ein. وبسبب هذا الأمر، سخر البعض من الكلمات التي قدمها كينيدي والتي ترجمت بشكل خاطئ على السياق التالي “أنا كعكة دونات” حيث حملت كلمة Berliner معنى آخر ورمزت لنوع من قطع حلوى الدونات المشهورة بكل من النمسا وألمانيا.

وعلى الرغم من حالة الجدل التي سببها هذا الخطاب، دافع عدد من المختصين باللغة الألمانية عن كينيدي وأكدوا إمكانية استخدام نفس الكلمات التي قالها الرئيس الأميركي ببرلين الغربية عام 1963 للحديث عن كونه برلينيا.

زر الذهاب إلى الأعلى