تحليل مضمون

ماذا تحتاج دول أفريقيا لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والتنموية؟

أعد مركز فاروس للدراسات الاستراتيجية تقريرا عن احتياجات الدول الإفريقية لتحقيق الاستقلالية الاقتصادية والتنموية، وهو ما يعرضه موقع “مضمون” للمسؤولين في مصر للتعرف على فرص الاستثمار التى تحتاجها القارة السمراء خاصة في ظل توجه الدولة نحو الجنوب.

تحديات كبيرة أمام افريقيا في عالم مضطرب

 

تواجه عملية التنمية الشاملة حول العالم، وتحديدًا في البلدان الأفريقية، تحديات كبيرة؛ تكمن في حالة عدم الاستقرار وعدم اليقين جراء الاضطرابات والأزمات المتشعبة في الوقت الراهن.

اليوم، ووسط تلك التحديات؛ هناك نحو 130 مليون شخص في أفريقيا بحاجة ملحة للحصول على الطاقة، وضمان استدامتها، وفق بيانات البنك الدولي.

كما أن دول القارة السمراء باتت مطالبة اليوم بضرورة تعظيم مكاسبها من مواردها الطبيعية عبر استثمارات متجددة ومتدفقة، ما يضمن لاقتصاداتها تحقيق الاستقلالية والريادة وإحداث الفارق عالميًا في مختلف المجالات.

 

بناء مستقبل أفضل للمجتمعات الأفريقية

أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي، أكد خلال جلسة بالقمة العالمية للحكومات 224 في دبي، تحت عنوان “كيف نعظم أثر جهودنا التنموية؟”، أن البنك يعمل بالتعاون مع العديد من دول العالم على دعم الشباب والنساء وبناء مستقبل أفضل للبشرية.

وحدد عدداً من الأولويات التي تقع على رأس اهتمامات البنك الدولي، مشيراً إلى أن القضاء على الفقر والحفاظ على صحة الأرض ومواجهة تحديات المناخ أبرز القضايا التي تشغل حيزاً كبيراً من أولويات البنك.

وقال بانغا: “يعمل البنك الدولي على تقليص فترة التفاوض على منح القروض للدول لتصل بحد أقصى 12 شهرًا بدلاً من 19 شهرًا، وذلك بهدف تسريع الجهود التنموية في هذه الدول، ومساعدتها على إنجاز مشروعاتها التي تخدم شعوبها”.

ولفت رئيس مجموعة البنك الدولي إلى أن البنك يعمل على ربط أكثر من 130 مليون إنسان في أفريقيا بالطاقة، التي تعتبر حقًا أساسيًا لكل إنسان، الأمر الذي يتطلب تعاون حكومات هذه الدول لإنجاز هذا المشروع، بالإضافة إلى سعي البنك أيضاً ضمن استراتيجيته المستقبلية لتوفير زراعات بديلة، ومساعدة الدول النامية على التكيف مع التغير المناخي، إضافة إلى التركيز على المشاريع الخاصة بالغابات لدفع الاستثمارات إليها.

 

استثمار الموارد الطبيعية.. وتحقيق الاستقلالية

 

دول قارة أفريقيا لا تزال تعاني من الهيمنة والسيطرة الخارجية، لأنها لم تركز جهودها على بناء قدرات ومقومات التصنيع التي تمكنها من استغلال ثرواتها الطبيعية الهائلة وتحقيق الاستقلالية، هذا ما أكده بول كاجامي رئيس جمهورية رواندا خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات بدولة الإمارات.

كاجامي يرى أنه رغم امتلاك دول أفريقيا موارد اقتصادية تؤهلها لتكون بمواقع متقدمة على الخارطة العالمية، إلا أنها لا تزال تخضع للتدخلات الخارجية من الأطراف الأقوى في العالم.

لذلك؛ يجب على دول القارة السمراء أن توحد صوتها وتعمل ككتلة واحدة ذات مصالح مشتركة وذلك لتتمكن من احتلال موقع بارز في مراكز ثقل القرار العالمي.

واعتبر كاجامي أن من المشكلات التي تواجه قارة أفريقيا أن أقطاب القوى العالمية لا يدركون أهميتها كقوة بشرية واقتصادية مستقلة وقادرة أن تحدث فرقًا في كل المجالات والأصعدة التي تصب في المصلحة العالمية المشتركة.

إعادة هيكلة الديون.. أولوية قصوى

في حين يثقل تضخم الديون كاهل النمو الاقتصادي العالمي، يحذر الخبراء من أن منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا؛ حيث تعاني العديد من البلدان من التخلف عن السداد، تشهد أسوأ أزمة لها على الإطلاق، كما أفاد المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2024.

أزمة متراكمة، بدأت في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية في الفترة 2007-2009؛ حيث أبقت البنوك المركزية في البلدان الصناعية عمومًا أسعار الفائدة منخفضة، وتوفرت لبلدان الجنوب العالمي التي كانت تقترض في الغالب على المستوى الثنائي أو من المؤسسات المالية الدولية، إمكانية غير مسبوقة للوصول إلى الأسواق المالية.

وقالت الاقتصادية الكينية عطية واريس التي تعمل أيضًا خبيرة مستقلة لدى الأمم المتحدة، إن “العديد من الدول النامية التي كانت في حاجة ماسة إلى ضخ الأموال في اقتصاداتها سارعت إلى الاستعانة بهذه القروض منخفضة التكلفة، في أسواق لا تخضع لقواعد أو تنظيم”، كما أوردت “وكالة الأنباء الفرنسية، أ ف ب”.

وأضافت أن صندوق النقد الدولي شجعها على ذلك. وساعدت هذه الأموال في إعطاء دفعة كان العديد من الاقتصادات الأفريقية في أمس الحاجة إليها. لكن البلدان التي تعتمد على تصدير المواد الخام مثل النفط والمعادن والخشب تعرضت لضغوط شديدة عندما بدأت أسعار السلع الأساسية في الانخفاض في عام 2015. ثم زادت جائحة كوفيد من تفاقم الوضع.

وأدى انخفاض أسعار السلع الأساسية إلى تقليص إيرادات العملات الأجنبية التي تحتاجها هذه البلدان لتسديد خدمة قروضها. وحصلت العديد من البلدان على قروض جديدة لسداد ديونها القديمة، مما أدخلها في دوامة من الديون تحول دون الاستثمار في البنية التحتية والأنظمة الصحية والتعليم.

في عام 2022، بلغ الدين العام الأفريقي 1.8 تريليون دولار مسجلًا قفزة بنسبة 183% عن عام 2010، بعد أن نما بمعدل أربعة أضعاف أكثر من الناتج الاقتصادي، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة.

ويسعى الدائنون العامون الغربيون المنضوون في مجموعة العشرين والعديد من الشركاء إلى التوصل إلى إعادة هيكلة ديون 40 دولة أفريقية.

بُنيت صفقات الديون هذه على مبدأ المساواة في المعاملة ومشاركة جميع الدائنين. لكن يصعب على الدول الأفريقية إبرام اتفاقات لأن المقرضين من القطاع الخاص غالبا ما يرفضون الشروط.

وفي السنوات الأخيرة، صار المستثمرون الخاصون -بما في ذلك صناديق الاستثمار وصناديق التقاعد- أكبر دائني الدول الأفريقية.

وفي عام 2022، كان هؤلاء يمتلكون 42% من الدين العام الخارجي الأفريقي، مقارنة مع 38% للمؤسسات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، و20% لدول أخرى.

ومن بين الـ20% التي تمتلكها الدول الأخرى، كانت الصين أكبر مقرض لأفريقيا، وتمتلك وحدها 11 في المئة.

فيما قال الخبير الاقتصادي الغاني تشارلز أبوغري إنه مع زيادة أسعار الفائدة التي تثقل المعاناة بسبب الديون المتراكمة، “تشهد الدول الأفريقية تقلبات خطيرة في أسعار العملات فيما يزداد التضخم باستمرار، والأجور الفعلية راكدة”.

ورأى أمين إدريس أدوم، أحد كبار المديرين في وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي، أن “المسألة الحقيقية اليوم ليست معرفة كيف يمكن الخروج من تحت وطأة الديون، بل كيف يمكن الاقتراض بذكاء”.

وفي حين أن إعادة هيكلة الديون مهمة، إلا أنه “لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب الاستثمار في البنية التحتية والصحة والطاقة” لدعم تنمية الاقتصادات والمجتمعات.

زر الذهاب إلى الأعلى