تحليل مضمون

هل تنجح مصر في استغلال نظام المقايضة للتغلب على أزمة نقص سيولة النقد الأجنبي؟

كتبت- سمر موسى:

في ظل المساعي المصرية لتأمين وتنويع مصادر استيراد القمح خاصة مع تعثر الإمدادات من روسيا وأوكرانيا، أعلن وزير التموين علي المصيلحي، إجراء مصر لمحادثات قوية حول استيراد القمح من الهند في صفقة تجارية تبادلية “نظام المقايضة”، قد تشمل تصدير منتجات مصرية مثل الأسمدة في المقابل، هل تنجح مصر في استغلال نظام المقايضة للتغلب على أزمة نقص سيولة النقد الأجنبي؟.

فكرة المبادلة أو المقايضة بين الدول تُعيد إلى الأذهان فترات زمنية بعيدة نسبيًا ما قبل ظهور النقود، إذ يتم العمل بها في العصر الحديث عن نطاق ضيق للغاية، ولكن لتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي يمر بها العالم منذ بداية الحرب الروسية- الأوكرانية، عادت الفكرة مجددًا لتفرض نفسها على النظام الاقتصادي العالمي.

مفهوم المقايضة وأسباب ظهورها

نظام المقايضة

نظام المقايضة يتم من خلاله تبادل البضائع أو الخدمات مباشرة بسلع أو خدمات أخرى دون استخدام وسيلة تبادل أخرى مثل النقود، وتتم المقايضة بين طرفين أو أكثر في بعض الأحيان، و قبل ظهور النقود مر نظام المقايضة بمراحل عدة حيث اختارت بعض المجتمعات أنواعًا من الماشية لتقيس عليها باقي السلع الأخرى و اختارت مجتمعات أخرى سلعًا أخرى مثل القواقع والمحار، وكانت هذه السلع تمثل شيئًا واسع الإنتشار ومقبولا.

وظلت المقايضة في هذا الوقت عملية واحدة ولكن قام المتعاملون بالتعبير عن قيمة ما يتبادلونه باستخدام ما أصبح يطلق عليه وحدة الحساب وتخلصت المقايضة من مشكلة صعوبة إيجاد مقياس واحد للتبادل، ولجأوا بعد ذلك إلى مبادلة السلعة بسلعة ثم مقايضة هذه بالسلعة التي يحتاجونها.

ومع نشأة الحضارات الإنسانية كان مفهوم الاكتفاء الذاتي هو السائد، فكانت كل أسرة تجتهد وتعمل حتى تحصل على حاجتها الأساسية من غذاء وملبس وما إلى ذلك، لكن مع تطور الزراعة وظهور أصناف جديدة أصبح من الصعب اعتماد هذا المبدأ، لذلك بدأ الإنسان في البحث عن طريقة لتبادل المنافع مع سكان بلدته والمحيطين به، من هنا جاءت فكرة المقايضة.

اقرأ أيضا:

خبراء: الأزمة الاقتصادية لن تنتهى قريبا.. والذهب والعقارات الأفضل لاستثمار الأموال

موجة غلاء تضرب دول أوروبا.. وارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 210%.. فيديو

تجارب مصر السابقة في المقايضة

مع بداية عام 2015 والأوضاع الاقتصادية السيئة التي مرت بها البلاد جراء حكم الإخوان، ظهرت مطالب عديدة لعدد من الخبراء الاقتصاديين وكُبار رجال الصناعة والمُصدرين للحكومة المصرية أبرزها دعوة رئيس اتحاد الصناعات المهندس محمد السويدى، للحكومة المصرية بالمطالبة بضرورة توقيع اتفاقيات مع دول التكتلات الثلاثة، يمكن من خلالها مبادلة ومقايضة البضائع والسلع المصرية والإفريقية.

وعللَ “السويدي” دعوته أنداك بأنها ستسهم في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات والميزان التجارى وتقليل الطلب على الدولار والنقد الأجنبي لأغراض التصدير والاستيراد.

وعادت الفكرة مجددًا للظهور مع إعلان الدكتور على مصليحي، وزير التموين، -عبر حوار أجراه مع وكالة بلومبرج- أن مصر تجرى مناقشات جدية لاستيراد القمح من الهند في صفقة ربما تشمل تصدير منتجات مثل الأسمدة فى المقابل، مؤكدًا إنه التقى بالسفير الهندى لدى مصر في القاهرة يوم الأربعاء لمناقشة اتفاق التبادل المحتمل لتأمين 500 ألف طن من القمح من خلال شحنات متنوعة.

وبعدما تأثرت إمدادات القمح العالمية جراء الحرب الروسية فى أوكرانيا، حيث حاصرت القوات الروسية الموانئ البحرية التى تمر خلالها صادرات القمح، وتحاول الحكومة المصرية التفاوض مع الهند – ثاني أكبر مورد للقمح عالميًا- لاستكمال الحصول على الشحنات الخاصة بالقمح، حيث وصلت شحنة واحدة فقط حتى الآن تزن 60 ألف طن، وأصدرت بعدها الحكومة الهندية قرار بحظر صادراتها من القمح لتهدئة الأسعار الداخلية للسلعة بها، بعد ارتفاع درجات الحرارة بها بشكل غير مسبوق في منتصف مارس الماضي وتأثيره على تراجع حجم المحاصيل الزراعية ومن ثم ارتفاع سعرها على المواطن الهندي بشكل كبير.

تجارب الدول الخارجية بالمقايضة في السنوات العشر الأخيرة

السفن التجارية

– لبنان والمقايضة الداخلية:

بعد انهيار العملة اللبنانية لما يقرب إلى 80 في المئة من قيمتها، وانتشار الفقر بين الشعب، اضطر بعض اللبنانيين إلى بيع ممتلكاتهم الخاصة لشراء حوائجهم الأساسية، خاصةً بعد فقد البعض وظائفهم وتفاقم الأزمة، مما دفع الناشط السياسي والاجتماعي حسن حسنة بفتح صفحة على الفيس بوك تحت عنوان “لبنان يقايض” يرافقه هاشتاج “قايض وراسك مرفوع”، وقال حسان، إن “الفكرة ليست بجديدة وكانت متبعة في العصور القديمة، وأنه قد شهد عملية مقايضة بينما كان يتمشى في إحدى قرى باكستان الفقيرة، حيث رأى امرأة تقايض خبزاً مقابل سلعة أخرى بدلاً من المال”.

واليوم وأمام تدهور الأحوال، وسوء إدارة المساعدات، أضحى “لبنان يقايض” الصفحة قد لاقت انتشاراً واسعاً بين اللبنانيين وكأنها بوابة فرج أتت لتنقذهم من غرق الهموم، منهم من يقايض قطع ملابس، مقابل حليب للأطفال ومنهم من قايض عفش منزله مقابل مواد غذائية، فيما عرض آخرون أغراضاً دون مقابل.

– الجزائر والمقايضة مع مالي والنيجر:

أجازت الجزائر تجارة المقايضة في أربع محافظات جنوب البلاد مع دولتي الجوار النيجر ومالي عام 2021، وفق شروط محددة حيث تحظى هذه التجارة بإطار قانوني، ويستفيد منها سكان تلك المحافظات من المشتغلين على التجارة خاصة أن هناك علاقات اجتماعية قوية تربط بين سكان البلدان الثلاثة.

وبحسب مراقبين للشأن الاقتصادي، فأن هذه الخطوة ساعدت الجزائر في عودة طبيعية إلى عمقها الإفريقي وإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، وكذلك لتنويع صادراتها في ظل صعوبة التصدير نحو الشمال أي القارة الأوروبية في ظل المنافسة القوية.

ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مصالح مديرية التجارة بمحافظة أدرار أنه تم تصدير بضائع محلية نحو السوق الإفريقية بقيمة تفوق 170 مليون دينار جزائري (أكثر من مليون و270 ألف دولار) في إطار تجارة المقايضة الحدودية خلال السنة المنقضية، وصدرت تلك البضائع نحو مالي والنيجر وبلدان إفريقية أخرى مقابل ما قيمته 100 مليون دينار جزائري (نحو 750 ألف دولار) من الواردات.

والصادرات الجزائرية شملت: التمور والملح المنزلي ومنتجات بلاستيكية والألومنيوم والحديد والفولاذ ومنتجات صناعات تقليدية وبطانيات، أما الواردات فقد شملت المواشي من إبل وأغنام وأبقار ومنتجات الحناء والشاي الأخضر والتوابل واللحوم المجففة إلى جانب الذرة البيضاء والأرز والبقول الجافة وبعض الأقمشة.

-إيران وباكستان ومقايضة النفط:

بنهاية العام المنصرم، أبرمت إيران وباكستان اتفاقية تجارة مقايضة خلال اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة في طهران. لإحياء التجارة الثنائية من خلال تجنب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، التي أثرت بشكل خاص على التجارة على مدى العقد الماضي. وجاء الاتفاق لتبادل البضائع، فإيران لديها النفط والبتروكيمياويات وباكستان لديها الأرز، وذلك تفاديا للعقوبات يجب أن تتم بعملتي البلدين من أجل حل المشاكل التجارية بينهما.

اقرأ أيضا:

مؤسسات التصنيف الائتماني تستمر في تثبيت الثقة لمصر

الغاز العصا والجزرة.. أوروبا تدعم طرفي الحرب الروسية الأوكرانية

«حرب صعب إنهائها».. خيارات مؤلمة في مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا

زر الذهاب إلى الأعلى