تحليل مضمونمضمون فني وثقافي

وفي القلب منا الله.. عرفات يكرر مأساة الحلاج في جزيرة غمام

مناظرة عرفات ومشايخ جزيرة غمام، لها من الواقع وقع، ومن التاريخ إرث ومن الفلسفة مأساة تتجدد، هي مناظرة العقل والقلب،  مناظرة بدأها الأولون ولا زال يعيشها المتأخرون، اختلف عليها فلاسفة الإسلام وفقهائه: الدين ومعرفة الله بالقلب أم العقل، وممن يدخل الشيطان للإنسان.

عرفات في جزيرة غمام

عرفات ليس بعيدا عن الحلاج، حين أحاطت به الناس، وعلى رأسهم مشايخ جزيرة غمام، ربما هو المشهد الأقرب لمحاكمة الحلاج.

عجبتُ منك ومنـّـي يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي أدنيتـَني منك حتـّـى ظننتُ أنـّك أنـّــي وغبتُ في الوجد حتـّى أفنيتنـَي بك عنـّــي”

الحلاج كانت مأساته حين تعمق في الحب الذي يلامس الروح ويسمو بها لتصل محبّة الله  لدرجة الفناء بالذات الإلهيّة، وهو العشق الذى أودى به إلى الإعدام، حيث لم ترق كلمات شعره لمحاكميه، فاستوجب الحد.

وهى المأساة التى عبر عنها الشاعر صلاح عبد الصبور في مسرحيته “مأساة الحلاج” قائلا: “الحب سر النجاة، تعشق تفز وتفنى بذات حبيبك، تصبح أنت المصلى وأنت الصلاة وأنت الديانة والرب والمسجد، تعشقت حتى عشقت، وأتحفنى بكمال الجمال، جمال الكمال، فأتحفته بكمال المحبة، وأفنيت نفسى فيه”.

ولعل إعمال العقل، أو الاعتداد بالعقل أوقع كثيرا من الفرق الإسلامية في الصراع والنزاع، سواء كان ذلك بين أهل السنة والاعتزال أو بين أهل الشريعة وأهل الفلسفة، أو بين أهل التصوف وغيرهم، أو بين أهل الرأي وأهل الحديث، ويمكنص تصنيف مدارس الفكر والفقه والتأريخ لها في مسيرة العقل المسلم منذ عهد الالصحابة وحتى اليوم.المصدر

ويكاد يكون القلب – في تقدير القرآن له- أن ينظر إليه على أنه هو المركز الذي تتفرع منه وتنتهي إليه شرايين الإنسانية. وإذا كان القلب في نظر الأطباء هو العضلة التي تنظم توزيع الدم حسب حاجات البدن. فإنه في نظر الإسلام هو مصدر التوجيه والقيادة في الإنسان، الذي يضله ويهديه.المصدر

وفي القرآن الكريم شواهد عدة، على إعمال العقل والتدبر بالقلب، فجمع بين خصائص الاثنين، كأنهما شئ واحد، فالمؤمن يري بقلبه، ويعقل به، وهي صفات العقل، الذي ميز به الله سبحانه وتعالى البشر به عن باقي المخلوقات.

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)

واعتبر القرآن القلب مركز الإحساس، فيقول: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،

وهي الجدلية التى دفعت الإمام محمد الغزالي لنظر مسألة العقل والقلب في الإسلام في كتابه ” ركائز الإيمان بين العقل والقلب.

إلاّ أنّ التصوّر القرآني في مساحاته التعبيرية الواسعة عن العقل والقلب يثبت نوعًا من العلاقة التلازمية والاقتران النّسبي بينهما، فهو يجعل القلب مركز الفهم والفقه في قوله تعالى: “لهم قلوبٌ لا يفقهون بها..” (الأعراف:179)، ويجعله وسيلة التعقّل والإدراك في قوله تعالى: “أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها..”(الحج:46)، ويجعله أهلاً لتحمّل مسؤولية الفعل المنسوب إليه في قوله تعالى: “ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه..”(البقرة:283)، ويجعله مركزًا لتشرّب معاني الاعتقاد من الإيمان أو الكفر في قوله تعالى: “إلا مَن أُكرِه وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان.” (النحل:106)، ويجعله موطن المشاعر والأحاسيس في قوله تعالى: “وألّف بين قلوبهم، لو أنفقت ما الأرض جميعًا ما ألّفت بين قلوبهم..”(الأنفال:63). المصدر

وبالعودة إلي جزيرة غمام، فليس بخفي على المتابعين أن شخصية خلدون في المسلسل هو الشيطان الذي يريد الوقيعة بين أهل الجزيرة، وليس أدل على ذلك غير أفعاله الواضحة، وقول العايقة له حين توجه إليها شاكيا قلة النوم  قلقا من مناظرة عرفات والمشايخ : ” استعيذ من نفسك”، وهي إشارة واضحة من عبد الرحيم كمال مؤلف المسلسل.

العايقة وخلدون في جزيرة غمام

ومن وقع المناظرة وحوارها، ينضم خلدون إلي صف المشايخ الذين ينكرون على عرفات هذا العبد الزاهد المحب لإعمال قلبه في أمور الناس، وقوله ” أمور الدين الناس عرفاها” وينتهي الأمر بانقسام أهل الجزيرة، وبداية فتنة، ربما تنتهي بمأساة جديدة يكون ضحيتها حلاج الجزيرة “عرفات”.

مناظرة عرفات في جزيرة غمام

كلمات عرفات أمام أهل جزيرة غمام، لخصت علاقة الدين بين القلب والعقل، حين قال:


يا أهل جزيرة غمام..

عرفات مش شيخ.. عرفات جاهل..

أنا ماعرفش حاجة.. كل اللي أعرفه.. إن اللي يحب ربنا يحبه وإن فلوس الجامع الفقير أولى بيها..

وإن القلب له وضوء.. زي ما فيه وضوء للإيدين والراس والرجلين..واللي ينفع الناس هو اللي يخدمهم وتحتيهم مش اللي فوقيهم..

وإن اللي ماعايزش تدوله.. واللي عايز ويطلب بعدوه..وإن اللي ينصح بالفقر وهو غني يبقى شيطان..

واللي شاغل نفسه بمين قعد مع مين.. ومين قال إيه.. ومين لبس إيه.. يبقى ناقص أدب

وإن ربنا رحيم….ربنا رحيم ربنا حنان منان كبير ماعينساش حد.. هو اللي يهدي العاصي.. هو اللي يغفر للمذنبين.. وأنا أولهم

وإني ماعايزش حاجة من حد..

ماعايزش أقعد مطرح حد..هو ده كل اللي العلم اللي عندي يا مشايخ.. ماعايزش حاجة خالص

عرفات #جزيرة_غمام


Back to top button