تحليل مضمون

توقعات صندوق النقد بعام أصعب مما مضي.. ماذا يخبئ 2023؟

توقعت رئيسة صندق النقد الدولي أن يشهد العالم عاما صعبا في أحداثه وأزماته الاقتصادية في 2023، وهو ما قد يفقد الملايين حول العالم آمالهم في عبور أزمات عام مضي 2022 كان عجافا على الكثيرين، خاصة بعدما ضرب التضخم اقتصاديات دول شتي، وأثرت على شعوبا عدة، عانت من توفير الغذاء، وعدم القدرة الشرائية لتلبية متطلبات الحياة اليومية، إذا فماذا يخبئ 2023 أكثر مما شهده العالم في 2022؟

 

ماذا قالت رئيسة صندوق النقد عن 2023؟

قالت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا لشبكة “سي.بي.إس” الأميركية، إن “عام 2023 سيكون صعباً على معظم الاقتصاد العالمي”.

وقالت جورجيفا لبرنامج (واجهة الأمة) الإخباري على قناة سي.بي.إس إن العام الجديد سيكون “أصعب من العام الذي نتركه خلفنا”.

وأضافت: “لماذا؟ لأن الاقتصادات الرئيسية الثلاثة، وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعها في وقت واحد”.

هذا ما شهده العالم من صعوبات في 2022؟

ووفقا لتقرير البنك الدولي عن حصاد عام 2022، فإنه لا تزال الأزمات التي تلاقت في عام 2022 تعوق النمو العالمي، حيث يشهد الاقتصاد العالمي أشد معدلات التباطؤ في أعقاب تعاف ما بعد الركود منذ عام 1970.

وتشهد أكبر 3 اقتصادات في العالم – وهي الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تباطؤاً حاداً للنمو، وتوقع البنك الدولي بأنه في ظل هذه الظروف، فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال العام القادم قد تهوي بالاقتصاد العالمي إلى الركود.

التخلص من إغلاق كورونا.. واستمرار التبعات

ساعدت الجهود العالمية للتطعيم البلدان على البدء في الخروج من جائحة كورونا، وأعادت ملايين الأطفال إلى الفصول الدراسية، لكن الآثار الدائمة الناجمة عن خسائر التعلم في الآونة الأخيرة يمكن أن تلقي بظلالها لسنوات.

وارتفع تضخم أسعار الغذاء وزاد انعدام الأمن الغذائي زيادة كبيرة على مدار 2022، وتفاقم ذلك بسبب تغير المناخ والغزو الروسي لأوكرانيا مما أسهم في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة.

وحتى يتسنى التصدي هذه الأزمات المتعددة والمساعدة في تحقيق تعاف أكثر استقرارا وإنصافا، عمل البنك الدولي مع شركائه يوم بيوم على مدار العام للمساعدة في تحويل مساهمات المساهمين وحقوق الملكية إلى مساندة موسعة للبلدان لتلبية أكبر احتياجاتها.

دواء كورونا
كورونا

الفقر.. أكثر ما يؤرق العالم

 

شكلت جائحة كورونا أكبر انتكاسة لجهود الحد من الفقر في العالم منذ عقود، وكان التعافي متفاوتا إلى حد كبير.

وبنهاية عام 2022، يمكن أن يعيش ما يصل إلى 685 مليون شخص في فقر مدقع ، مما يجعل عام 2022 ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر في العقدين الماضيين (بعد عام 2020).

وبالإضافة إلى الآثار التي لا تزال مستمرة لجائحة كورونا، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، لا سيما بسبب الصدمات المناخية والصراعات مثل الحرب في أوكرانيا، أعاق تحقيق التعافي السريع.

ومن المتوقع أن 7% من سكان العالم – نحو 574 مليون نسمة – سيظلون يعانون من الفقر المدقع في عام 2030- وهذه النسبة كبيرة للغاية مقارنة بالهدف العالمي البالغ 3% في عام 2030.

الفقر
الفقر

الديون تتراكم.. من هم الدائنون الجدد لدول العالم؟

شهد العام الماضي اشتداد أزمة الديون التي تواجهها البلدان النامية، حيث ارتفعت مستويات الديون العامة للبلدان النامية على مدى العقد الماضي، حيث إن نحو 60% من أشد بلدان العالم فقرا إما في حالة مديونية حرجة أو معرضة لمخاطر ذلك.

ولا تستطيع البلدان الأشد فقرا في العالم، التي تعاني من زيادة أعباء الديون، القيام باستثمارات حساسة في مجالات الإصلاح الاقتصادي، أو الصحة، أو العمل المناخي، أو التعليم، في إطار أولويات التنمية الرئيسية أخرى.

وربما كان الأهم من ذلك أن تركيبة الديون تغيرت تغيرا جذريا منذ عام 2010، حيث يلعب الدائنون من القطاع الخاص دورا أكبر بصورة متزايدة.

وبنهاية عام 2021، بلغت نسبة الدين العام المستحقة للدائنين من القطاع الخاص 61% من الدين العام والمضمون من قبل الحكومة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وذلك وفقا لتقرير الديون الدولية لعام 2022.

وفي الوقت نفسه، تلعب البلدان غير الأعضاء في نادي باريس (تلك التي ليست مقرضة تقليدية، مثل الصين والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) دورا أكبر من أي وقت مضى في مجال الإقراض الثنائي أيضا.

فمن ناحية، زيادة مجمع الدائنين على تنويع المخاطر ونشرها؛ ومن ناحية أخرى، يؤدي ذلك على زيادة صعوبة إعادة هيكلة الديون، وهو ما وصفه البنك الدولي بالأمر المقلق للغاية في وقت يشهد فيه النمو العالمي ركودا – مما يؤدي إلى مخاوف من “الركود التضخمي”، وقد تبين أن المبادرات العالمية، مثل الإطار المشترك لمجموعة العشرين، غير كافية حتى الآن.

الديون-العالمية
الديون-العالمية

انعدام الأمن الغذائي

شهد عام 2022 ارتفاعا حادا في انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، وقد تجمعت آثار الحرب في أوكرانيا، وارتفاع معدلات التضخم، وتعطل سلاسل الإمداد، وتراجع النشاط الاقتصادي العالمي، لتدفع إلى زيادات كبيرة في أسعار العديد من المنتجات الزراعية والمستلزمات الزراعية، مثل الأسمدة. واستجابة لهذا الوضع، أتاحت مجموعة البنك الدولي 30 مليار دولار للتصدي لانعدام الأمن الغذائي على مدى 15 شهرا.

وتواصل مجموعة البنك الدولي العمل مع الشركاء لإنشاء أنظمة غذاء يمكنها توفير المواد الغذائية للجميع في كل مكان وفي كل يوم بتحسين الأمن الغذائي، وتشجيع “الزراعة التي تراعي اعتبارات التغذية”، والارتقاء بمستوى سلامة الغذاء. والبنك الدولي هو أحد الممولين الرئيسيين لأنظمة الغذاء. في السنة المالية 2022، كانت هناك ارتباطات جديدة بقيمة 9.6 مليارات دولار من البنك الدولي للإنشاء والتعمير/المؤسسة الدولية للتنمية لقطاع الزراعة والقطاعات المرتبطة بها. وعلاوة على ذلك، أطلق التحالف العالمي للأمن الغذائي، الذي شاركت فيه مجموعة السبع برئاسة ألمانيا ومجموعة البنك الدولي، لوحة البيانات العالمية لأمن الغذاء والتغذية في نوفمبر كأداة رئيسية لتسريع وتيرة الاستجابة لأزمة الأمن الغذائي العالمية التي لا تزال تتكشف أبعادها.

الامن الغذائي
الامن الغذائي

أثار تغييرات المناخ على العالم

مع شروع البلدان في تصور عالم ما بعد جائحة كورونا في عام 2022، تفاقمت الآثار المناخية: فقد أودت الفيضانات الشديدة في باكستان بحياة مئات الأشخاص وأدت إلى تشرد الملايين، وأثرت موجات الجفاف في الصين ومنطقة القرن الأفريقي على الملايين، وشهدت أوروبا موجات حر شديدة وأسوأ موجة جفاف منذ 500 عام.

وكثفت مجموعة البنك الدولي مساندتها لمساعدة البلدان على تلبية الاحتياجات المناخية والتنموية معا: تقديم مستوى قياسي من التمويل المناخي بقيمة 31.7 مليار دولار، وهو أكبر تمويل على الإطلاق في عام واحد في تاريخها.

ومن هذا الإجمالي، قدم البنك الدولي 26.2 مليار دولار، نصفها تقريبا (12.9 مليار دولار) على وجه التحديد لتدعيم الاستثمارات في مجال التكيف وبناء القدرة على الصمود.

وقدمت مؤسسة التمويل الدولية، ذراع مجموعة البنك الدولي المعني بالقطاع الخاص، تمويلا غير مسبوق للأنشطة المناخية بقيمة 4.4 مليار دولار (وعبأت مبلغا إضافيا قدره 3.3 مليار دولار من مصادر أخرى)، وفي الوقت نفسه قدمت الوكالة الدولية لضمان الاستثمار، وهي ذراع مجموعة البنك الدولي للتأمين ضد المخاطر السياسية وتعزيز الائتمان، 1.1 مليار دولار.

تغير المناخ
تغير المناخ

عالم يبحث عن الطاقة

وشهد النصف الأول من عام 2022 واحدة من أكبر الصدمات التي شهدها العالم في أسواق الطاقة العالمية منذ عقود – حيث زادت أسعار الطاقة زيادة كبيرة، مما أدى إلى تفاقم نقص الطاقة والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، وزيادة التباطؤ في حصول الجميع على مصادر طاقة حديثة ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة بحلول عام 2030 (الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة).

وعلى الصعيد العالمي، لا يزال هناك 733 مليون شخص لا يحصلون على الكهرباء، وبالأسعار الحالية، سيظل 670 مليون شخص محرومين من الكهرباء في عام 2030 – أي ما يزيد على 10 ملايين شخص عن العدد المتوقع في العام الماضي. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، تراجع مسار التحسينات التي شهدتها الآونة الأخيرة، حيث زياد عدد الأشخاص الذين لا يحصلون على الكهرباء إلى 568 مليون نسمة في عام 2020.

وأدت المخاطر التي يتعرض لها السكان الذين لا يحصلون على الكهرباء وعزلتهم إلى دفع البلدان إلى زيادة تركيزها على الحصول على الطاقة بأسعار ميسورة في خططها للتعافي من جائحة كورونا. وفي السنوات الخمس الماضية، زاد البنك الدولي جهوده لتوصيل الكهرباء أو تحسينها لنحو 77 مليون نسمة، حيث ضاعف تمويله السنوي للحصول على الطاقة ليصل إلى أكثر من مليار دولار في 2019-2022.

أزمة التعلم.. هذا ما خلفه كورونا؟

قبل تفشي جائحة كورونا، كان العالم يواجه أزمة في التعلم واكتساب المهارات، لكن أدت جائحة كورونا إلى تعميق هذه الأزمة، حيث أدى إغلاق المدارس لفترة طويلة إلى خسائر هائلة في التعلم.

وتشير التقديرات إلى أن معدل فقر التعلم في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ربما ارتفع إلى 70% في عام 2022 – وهو ما يعني فعليا أن جميع المكاسب التي تحققت على مستوى خفض فقر التعلم منذ عام 2000 قد فُقدت على الأرجح.

وقال البنك الدولي إنه إذا لم يتم عكس مسار هذه الخسائر، فإنها ستخفض الإنتاجية المستقبلية والدخول مدى الحياة لأطفال وشباب اليوم – وستضر أيضا بالآفاق الاقتصادية لبلدانهم وتؤدي إلى زيادة عدم المساواة وزيادة مخاطر الاضطرابات الاجتماعية.

العملية العشرين.. كيف تساعد الدول الفقيرة في تخطي الصعاب؟

في سبيل المضي قدما، تواصل المؤسسة الدولية للتنمية التابعة لمجموعة البنك الدولي تكثيف مساندتها لنحو 75 بلدا هي الأشد فقرا والأكثر احتياجا، ومن العوامل الداعمة لذلك الحزمة الجديدة التي تبلغ قيمتها 93 مليار دولار في إطار العملية العشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية لمساعدتها على التصدي للأزمات المتعددة والمتداخلة وبناء مستقبل أكثر خضرة وقدرة على الصمود وشامل للجميع.

وتضرب هذه الأزمات أشد الناس فقرا، وتساعد العملية العشرين لتجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية، التي تمتد من عام 2022 إلى عام 2025، البلدان على التصدي لهذه التحديات.

أزمات سياسية مستمرة في 2023

2022 أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين

وعلى صعيد الأحداث بالمنطقتين العربية والشرق الأوسط عموما، كان عام 2022 أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عام 2005، فقد شهدت الأراضي المحتلة هجمة إسرائيلية غير مسبوقة على مجموعات المقاومة الفلسطينية، قابلتها عودة قوية للعمليات المسلحة الفلسطينية والتي شملت نحو 7200 عمل فلسطيني مقاوم، وكانت عملية التفجير المزدوجة عن بعد في القدس من أبرزها، إلى جانب هجمات نفذها فلسطينيون في العمق الإسرائيلي.

وكان حصاد العمليات 227 شهيدا فلسطينيا، وأكثر من تسعة آلاف جريح وستة آلاف وخمسمائة معتقل، مقابل 31 قتيلا إسرائيليا ونحو 500 إصابة وهو الرقم الأعلى منذ 2015، مقابل ذلك، هدمت قوات الاحتلال خلال العام الجاري ثمانمائة وثلاثة وثلاثين مبنى فلسطينيا، وشارك المستوطنون في نحو ألف هجوم على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم، أدت لاقتلاع أو اتلاف مساحات كبيرة من المساحات الزراعية.

الأزمة اليمنية 

وفي أبريل الماضي،  أعلنت الأمم المتحدة عن توافق أطراف النزاع في اليمن على هدنة لمدة شهرين، دخلت حيز التنفيذ في الثاني من أبريل بالتزامن مع بداية شهر رمضان المبارك، وقد جرى تمديد تلك الهدنة عدة مرات، ولا تزال الوساطات جارية لتمديدها لفترات طويلة.

وفي شهر أبريل أيضا، قرر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إعفاء نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، كما قرر تشكيل مجلس قيادة رئاسي، ونقل كامل صلاحياته للمجلس الذي يرأسه رشاد محمد العليمي، وتشكيل هيئة يمنية للتشاور والمصالحة تجمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود المجلس وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة ربوع اليمن.

العراق يطوي صفحة أكبر أزمة سياسية

وفي أكتوبر الماضي، طوى العراق صفحة أكبر أزمة سياسية عاشها منذ تأسيس الدولة الحديثة، حيث لم تتمكن القوى والأطراف السياسية المتنافسة هناك من المضي في تشكيل حكومة جديدة رغم مرور أكثر من عام على الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021، لينتخب مجلس النواب العراقي عبداللطيف رشيد (78 عاما) رئيسا للجمهورية وذلك بعد مخاض عسير، ليعقبها تكليف الرئيس الجديد محمد شياع السوداني مرشح الكتلة النيابية الأكبر بمجلس النواب، بتشكيل حكومة جديدة، ليخرج السوداني للعراقيين بتأكيده على أن الوقت قد حان لاسترداد هيبة الدولة، وإيقاف الانفلات، وتركيز حكومته على معالجة المشكلات الخدمية ومكافحة الفساد، في وقت أعلن التيار الصدري مقاطعة الحكومة ورفضه مشاركة أي من منتسبيه في التشكيل الحكومي الجديد.

استمرار الانقسامات والانهيارات الاقتصادية في لبنان

وفي شهر مايو 2022، أجرى لبنان أول انتخابات نيابية منذ الاحتجاجات التي جرت في السابع عشر من أكتوبر 2019، مسفرة عن فقدان تحالف حزب الله وحركة أمل، الأغلبية النيابية التي كان يتمتع بها وحلفاؤه مقارنة بما أفرزته انتخابات عام 2018. وفي مؤشر على عدم التوافق واستمرار الانقسام في لبنان، فشل البرلمان المنتخب للمرة العاشرة في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس ميشال عون الذي انتهت ولايته في نوفمبر الماضي، ليأتي هذا الاستحقاق الانتخابي في ظل أزمة مالية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في التاريخ اللبناني.

ويرزح لبنان، البلد المتوسطي الذي يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، وفقا للبنك الدولي، تحت براثن واحد من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث، وخسرت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها في غضون سنة واحدة فقط، فيما تضاعفت أسعار السلع الغذائية والدواء خمس وست مرات تباعا خلال الفترة نفسها، كل هذا يأتي في وقت لا تحصل معظم مناطق البلاد سوى على ساعات قليلة من الكهرباء يوميا، فيما تشح إمدادات السلع الغذائية، والمياه والوقود والأدوية.

وفي جانب آخر ذي صلة بالشأن اللبناني، وقع لبنان مع الكيان الإسرائيلي، في شهر أكتوبر الماضي، وبعد وساطة أمريكية دامت عامين، اتفاقا لترسيم حدودهما البحرية، تم بموجبه تحديد المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر المتوسط، من شأنه السماح لهما بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها التابعة لمياههما الإقليمية.

 

توترات بين الولايات المتحدة والصين

وعلى الصعيد الدولي، استمرت التوترات بين الولايات المتحدة والصين، لتبلغ ذروتها بعد زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لجزيرة تايوان في مطلع أغسطس الماضي، وردت الصين بمناورات عسكرية برية وبحرية غير مسبوقة منذ منتصف التسعينات، إلا أن جو بايدن أكد أن قواته ستدافع عن تايوان إذا غزت الصين الجزيرة.

وسلط الرد الصيني على زيارة بيلوسي الضوء على مدى توتر العلاقات بين بكين وواشنطن، ليتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكتوبر الماضي خطوة كبيرة للحد من صعود الصين عالميا، من خلال حرمانها من الوصول إلى رقائق أشباه الموصلات المتقدمة والتكنولوجيا الضرورية للسيطرة على مجالات مثل الذكاء الاصطناعي.

وفي تطورات أخرى، ضمن هذا الملف، التقى بايدن، في منتصف نوفمبر الماضي، نظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، واتفق الرئيسان بالعمل على تقليل التوترات المتبادلة، وتعهدا بالتعاون في مجالات مثل تغير المناخ والصحة العامة.

اضطرابات وتقلبات سياسية واقتصادية تعصف بالعديد من الدول في مختلف القارات

في غضون ذلك، عصفت الأزمات والاضطرابات والتقلبات السياسية والاقتصادية بالعديد من الدول في مختلف القارات، وعلى عكس التوقعات والتكهنات التي روج لها أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لم تجتح “موجة حمراء” الانتخابات النصفية الأمريكية التي جرت في نوفمبر الماضي، فقد احتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ، بينما فاز الجمهوريون بغالبية ضئيلة في مجلس النواب.

وعلى الرغم من هذه النتيجة، أعلن ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية للعام 2024، لكن المراقبين يرون أن فوزه بترشيح الحزب الجمهوري سيكون ضئيلا مع وجود الكثير من المرشحين المحتملين الآخرين، بينهم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس.

وفي الكيان الإسرائيلي، عاد بنيامين نتنياهو إلى الحياة السياسية يوم الخميس الماضي، بواحدة من أكثر الحكومات يمينية وتطرفا في تاريخ دولة الاحتلال، وهي عبارة عن تآلف بين أحزاب يمينية وأخرى دينية صهيونية، تتفق على عدم التعايش مع الفلسطينيين، وتنادي بتوسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة.

وعلى النطاق الإسلامي، عصفت الأزمات السياسية والاقتصادية والمناخية بباكستان خلال عام 2022، ففي أبريل الماضي خسر عمران خان رئيس الوزراء تصويتا بحجب الثقة في البرلمان، لكنه لم يستسلم، فقد قاد بدلا عن ذلك أتباعه في سلسلة من المسيرات الاحتجاجية في العاصمة إسلام آباد، سعيا للإطاحة بخلفه شهباز شريف، وفي نوفمبر الماضي أصيب خان بجراح في محاولة اغتيال فاشلة.

وفي ماليزيا، أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في نوفمبر الماضي، تراجع حزب الرابطة الوطنية بقيادة محي الدين ياسين رئيس الوزراء السابق، مقابل تقدم “تحالف الأمل” الذي يتزعمه أنور إبراهيم، الذي اختاره ملك البلاد كعاشر رئيس للوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة على أمل إخراج ماليزيا من أزماتها السياسية والاقتصادية.

وفي القارة الأوروبية، أعلن قصر باكنجهام، في الثامن من سبتمبر الماضي، وفاة الملكة إليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة في قلعة “بالمورال” بأسكتلندا عن عمر ناهز السادسة والتسعين، بعد معاناتها خلال الأشهر التي سبقت رحيلها من مشكلات صحية سببت لها صعوبة في الحركة.

وبوفاتها، فقد العالم أطول ملكة تعمر في الحكم في تاريخ بريطانيا، حيث كانت اعتلت العرش في السادس من فبراير عام 1952 حينما كانت في سن الـ25 عاما، وذلك في أعقاب وفاة والدها الملك جورج السادس، مسجلة رقما قياسيا في جلوسها على العرش، إذ جالت العالم 42 مرة وهي في منصبها منذ سبعين عاما.

وبعد يومين من وفاة والدته، توج مجلس الجلوس على العرش البريطاني، الملك تشارلز الثالث، رسميا، ملكا، متعهدا بخدمة وطنه والدفاع عن دستوره، مشيدا بمناقب الملكة الراحلة.

وفي الشأن السياسي البريطاني، قدم بوريس جونسون استقالته من منصب رئيس الوزراء في سبتمبر الماضي، وتم تكليف ليز تراس رسميا بتشكيل الحكومة، لكنها اضطرت للاستقالة من زعامة حزب المحافظين بعد 45 يوما فقط من توليها المنصب، وتبع ذلك انتخاب ريشي سوناك زعيما لحزب المحافظين ورئيسا للحكومة ليصبح، بذلك، خامس رئيس وزراء لبلاده منذ الاستفتاء على خروجها من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.

وفي إيطاليا، أدت جيورجيا ميلوني، اليمين الدستورية رئيسة للوزراء، لتكون أول امرأة وأول يمينية متطرفة تتقلد هذا المنصب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك في حدث غير مسبوق بعد انتخابات تشريعية جرت في أواخر سبتمبر الماضي، وأسفرت عن فوز حزبها “إخوة إيطاليا” وحلفائها من حزبي “رابطة الشمال”، و”قوة إيطاليا”.

وغير بعيد عن إيطاليا، فاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولاية رئاسية جديدة لمدة خمس سنوات، بعد جولة إعادة تنافس فيها مع منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي وقفت على أبواب الإليزيه بعد الجولة الأولى من الانتخابات في أبريل الماضي، لكنها فشلت في مسعاها لكن وصولها إلى هذه المرحلة اعتبره المحللون “جرس إنذار” يؤشر لواقع سياسي جديد تقبل عليه الساحة السياسية الفرنسية، والمجتمع ككل.

وفي ألمانيا، أعيد انتخاب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير لفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات.

وفي تحول نحو اليسار، فاز الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا بالانتخابات الرئاسية بعد حصوله على 50.9 بالمئة من الأصوات، متفوقا على الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو، لينتقل دا سيلفا من سجين إلى رئيس في غضون ثلاث سنوات فقط.

وعزز الرئيس الصيني شي جين بينغ في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي مكانته في التاريخ، باعتباره الزعيم الأكثر نفوذا في البلاد منذ ماو تسي تونغ، بعد إعادة انتخابه لفترة ثالثة غير مسبوقة كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني، وافتراضيا، رئيسا للدولة.

وفي مناطق أخرى من العالم، فاز مرشح المعارضة يون سوك يول في الانتخابات الرئاسية لكوريا الجنوبية، وفي مايو الماضي تم انتخاب حسن شيخ محمود رئيسا للصومال بعد الانتخابات غير المباشرة التي أجريت هناك.

وفي أبريل الماضي، قدم وزراء الحكومة السيريلانكية استقالة جماعية بعد يومين من اندلاع احتجاجات واسعة ضد حكومة الرئيس جوتابايا راجاباكسا، وفرض حالة الطوارئ وقطع وسائل التواصل الاجتماعي، وفي التاسع من يوليو اضطر الرئيس للفرار إثر اقتحام المتظاهرين لمنزله ضمن احتجاجات واسعة ضد الفساد، وفاز غوستافو بيترو في الانتخابات الرئاسية في كولومبيا ليصبح أول رئيس يساري للبلاد.

وشهدت بوركينا فاسو انقلابين عسكريين خلال العام الجاري، أولهما في يناير الماضي وتم اعتقال الرئيس روش مارك كريستيان كابوري ورئيس البرلمان وأعضاء الحكومة، بينما وقع الثاني في أواخر سبتمبر الماضي وقاده النقيب إبراهيم تراوري، الذي عين نفسه رئيسا للدولة، وفي فبراير الماضي قتل 11 شخصا وأصيب آخرون في محاولة انقلابية فاشلة في غينيا بيساو.

وفي مكان آخر من القارة السمراء، تعززت الآمال بتحقيق السلام في إثيوبيا بعد صراع استمر سنتين، حيث وقعت الحكومة الفيدرالية وجبهة تيغراي في الثاني من نوفمبر في بريتوريا اتفاقا “لوقف القتال”، يهدف إلى وضع حد للحرب التي وصفتها منظمات غير حكومية بأنها “واحدة من الأكثر دموية في العالم”، متسببة في تشريد أكثر من مليوني مواطن، وبالإضافة إلى نزع سلاح عناصر الجبهة، نص اتفاق السلام على إيصال مساعدات إنسانية إلى تيغراي المعزولة عن العالم، والتي حرم سكانها، البالغ عددهم ستة ملايين، من الغذاء والدواء منذ أكثر من عام.

وفي بداية العام الماضي، أصدرت القوى الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا)، بيانا مشتركا نادرا تتعهد فيه بالعمل على منع انتشار الأسلحة النووية في العالم والحيلولة دون اندلاع صراع تستخدم فيه هذه الأسلحة، ومشددة على أنه “لا يمكن كسب حرب نووية ويجب عدم خوضها إطلاقا”.

وفي نوفمبر الماضي، وقعت 80 دولة في العاصمة الآيرلندية “دبلن” إعلانا، تعهدت فيه بالامتناع عن قصف المناطق المدنية، وهي المرة الأولى التي تتفق فيها الدول على الحد من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق السكنية.

زر الذهاب إلى الأعلى