تحليل مضمون

التحالف المرعب لإسرائيل.. ثلاثي الـ “كان” يتشكل.. ومصر تدخل صراع الهيمنة على سماء الشرق

قراءة تحليلية- محمد نصر:

خطت مصر خطوة مهمة نحو تحقيق حلم ناصر، وبدأت بتعاون عسكري مع تركيا لتصنيع المقاتلة الشبحية “كان”، وهي المقاتلة الموازية للمقاتلة الأمريكية الشبحية f35 الممنوعة على مصر والعرب.

حلف تصنيع KAAN يشمل شراكات منفصلة بين تركيا ومصر، وبين تركيا وإندونيسيا، في محور منفصل متكامل قوي.

هذه الشراكة الثلاثية غير المباشرة، قد تكون بذرة تنمو وتكبر مع الوقت لتشكيل تحالف عسكري قوي في المنطقة بعيدا عن السلاح الغربي والأمريكي، خاصة بعد أن اعلنت السعودية وباكستان عن توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين،  عقب هجوم إسرائيل على الدوحة.

كيف يتشكل التحالف الجديد؟

إندونيسيا وقعت اتفاق في يوليو 2025 لشراء 48 طائرة من “كان” بقيمة 10 مليارات دولار، بإمكانية مشاركة صناعية، في حين حصلت مصر على موافقة تركية في أغسطس 2025 لتنضم كشريك تصنيعي وممول.

هذا التعاون خاصة بين مصر وتركيا، يعكس تحولات جيوسياسية كبيرة نحو الاستقلال الدفاعي بهدف ردع إسرائيل والتقليل من تفوقها الجوي، خاصة بعدما امتلكت المقاتلة الشبحية الأمريكية F-35.

وتهدف مشاركة مصر في التصنيع لتنويع المصادر العسكرية، حتى لا تعتمد على مصدر واحد “أمريكي أو روسي أو صيني”، مما قد يؤثر بشكل مباشر على التوازنات في الشرق الأوسط.

هل هناك تحول فعلي لمحور ثلاثي؟ 

 

الوضع الحالي.. الدول الثلاثة بدأت بشراكات ثنائية بشكل أساسي، وتركيا هي محور المشروع باعتبارها صاحبة الفكرة وضربة البداية.

وتعتبر إندونيسيا شريك مبكر من 2016، وأصبحت أول عميل تصديري في يونيو 2025، مع صفقة تشمل نقل تكنولوجيا وإنتاج مشترك.

مصر، من ناحيتها، تنضم كشريك ثاني دولي، مع تركيز على التصنيع المحلي ونقل الخبرات لتعزز صناعتها الدفاعية، وحتى الآن لا تشير تقارير إلى تعاون مباشر بين مصر وإندونيسيا في هذا السياق.

هذا التعاون الثنائي بين الدولالثلاث قد يشكل “محور غير رسمي”،  هدفه “إعادة توازن عالمي في الطائرات الشبحية من الجيل الخامس”، زي F-35، ما يعني تحالف ثلاثي في مراحل أولية.

ثلاثي الـ “كان” ورسالة ردع لإسرائيل

 

ورغم أنه ليس هناك تصريح مباشر أن هذا التعاون التصنيعي هدفه ردع إسرائيل صراحة، لكنه بالنسبة لمصر وتركيا معلومة بضرورة الخلافات الأخيرة عقب حرب غزة، ووقوف الدولتين وخاصة مصر في وجه أمريكا وإسرائيل لاحباط مخطط التهجير، كما أن هذه الشراكة تغير التوازنات الجوية في الشرق الأوسط بشكل غير مباشر.

ومصر، كجارة لإسرائيل، تسعى لتعزز قدراتها لسد الفجوة مع أسطول إسرائيل من F-35، المكون من أكثر من 50 طائرة، خاصة مع رفض واشنطن بيع F-35 لمصر.

وتركيا، تشهد علاقتها بإسرائيل توترات تاريخية، مما يعزز أن الهدف الأساسي من المشروع الردع خصوصا بعد رفض امريكا تسليمها مقاتلات الـ f 35 بسبب شراءها منظومة الدفاع الجوي الروسية.

أما إندونيسيا، فدورها محدود إقليمياً، وتركز على آسيا،  لكنهم ليسوا بعيدين تماماً عن الشأن بالشرق أوسطي، وحضرت ضمن الدول العربية والإسلامية دعوة ترامب لمناقشة وقف الحرب في غزة، كما أنها لها موقف واضح من إسرائيل،  فهي لا تعترف بها كدولة، وأرهنت هذا الاعتراف باعتراف الكيان بالدولة الفلسطينية.

كيف رأت إسرائيل هذا المشرع؟

 

ردود إسرائيل في الكواليس، ذكرتها تقارير إعلامية بأن هذا التعاون الثلاثي غير المباشر قد يشكل خطرا عليهم، وهناك مخاوف عامة من تحالفات تركية-عربية، خصوصا مع حالة صراع تقاسم النفوذ في البحر المتوسط وسوريا بعد إزاحة نظام بشار.

وفي ظل توترات حرب غزة وتهديدات إيران، وحالة العزلة الدولية التى يعيشها الكيان الآن، يعتبر مشروع الكان تحديا كبيرا لإسرائيل والتى تعتمد على “التفوق العسكري النوعي” المدعوم أمريكياً للردع، وقد ترى في KAAN تحدياً طويل الأمد لو انتشرت المقلتلة في المنطقة.

كيف تنظر الأوساط الدولية والعالمية لهذه المشاركة؟

 

في مصر، يري كخطوة إيجابية نحو “الاستقلال الدفاعي” وتنويع الشراكات، بعيداً عن الاعتماد الغربي، حيث أكد وزير الخارجية المصري في أغسطس 2025 على آراء مشتركة مع تركيا في التحديات الإقليمية، مع الترحيب بالاستثمارات التركية في مصر.

وفي تركيا، الرئيس أردوغان يروج لهذا النوع من الصفقات، كنجاح تصديري، مع التركيز على “الشراكة الاستراتيجية” مع مصر وإندونيسيا ليعزز النفوذ العالمي.

وفي إندونيسيا، وزارة الدفاع بتشوف الصفقة كتحديث للقوات الجوية، دون ربطها بالشرق الأوسط أو إسرائيل، يعني هما مركزين على مصالحهم الخاصة.

أما في إسرائيل والغرب، فهناك قلق محتمل من تغيير التوازن، لكنهم لم يخرجوا بردود رسمية مباشرة، فقد تري الولايات المتحدة هذا المشروع تحدياً لمبيعاتها، بينما إسرائيل قد تركز على خسارتها حالة التفوق النوعي بين جيرانها في المنطقة.

ونهاية هذا التعاون يعزز القدرات الفردية للدول الثلاث، ورغم إنه لم يتعد كونه تعاون تصنيع عسكري، لكن المستقبل قد يشكل محوراً ثلاثياً متماسكاً، ويساهم في ردع غير مباشر لإسرائيل من خلال توازن قوى جديد.

 مشروع إنتاج الـ “كان

 

تاريخ فكرة المشروع الوطني التركي، بدأ في عام 2016  ليستبدل مقاتلات F-16 الأمريكية، وتملك الـ “كان” محركات ثنائية مع قدرات شبحية، رادارية متقدمة، وذكاء اصطناعي، تقدر تقول “روبوت طائر”.

وأجرت الطائرة رحلات تجريبية ناجحة في 2024، ومن المتوقع دخولها الخدمة بحلول 2028-2030.

 

متى بدأ اهتمام مصر بالمشاركة في تصنيع الـ “كان”؟

في سبتمبر 2024، وقت زيارة الرئيس السيسي إلى أنقرة، عبرت مصر عن اهتمام أولي بـ”كان” ونظام “ستيل دوم” الدفاعي.

وفي يوليو 2025، تركيا وافقت مبدئياً على انضمام مصر كشريك تصنيعي، بعد زيارة وفد عسكري مصري للاطلاع على النموذج الأولي، يعني هما راحوا يشوفوا الطائرة بعيونهم.

وفي أغسطس 2025، نٌشرت تقارير عن موافقة رسمية لمصر للانضمام، مع خطط لتوقيع مذكرة تفاهم قبل نهاية العام، بما في ذلك تمويل وإنتاج مشترك.

وفي سبتمبر 2025، تناولت تحليلات تركية إن هذه الشراكة ستعزز استقلالية مصر الدفاعية، مع إمكانية إنتاج مكونات في مصر.

محللون يرون أن الشراكة جاءت كرد على قيود أمريكية كاستبعاد تركيا من F-35 بسبب S-400، ولتساعد مصر في تجاوز عقبات شراء F-35 أو J-20 الصينية، والتي قد تثير قلق إسرائيل، وتعزز دور مصر كمركز دفاعي إقليمي.

ومن المرجح أن يتم التوقيع على الشراكة رسمياً بين مصر وتركيا قبل نهاية 2025.

قدرات المقاتلة الشبحية KAAN:

هي مقاتلة شبحية (ستيلث) من الجيل الخامس، تطورها شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية TAI أو TUSAŞ) منذ عام 2010، بتكلفة تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار، لها تقنيات متقدمة كالرادار الشبحي، والذكاء الاصطناعي.

كم أن لها القدرة على الطيران فوق الصوتي دون حراقات إضافية، وتتكامل مع الطائرات المسيرة، وتم إجراء الطائرة رحلات اختبار ناجحة في فبراير ومايو 2024، ومن المتوقع بدء الإنتاج المتسلسل بحلول 2028، مع دخول الخدمة بحلول 2030.

المقاتلات الأمريكية وأسطورة التفوق الإسرائيلي

ذكرت مجلة Military Watch، هي من أبرز الدوريات العسكرية المتخصصة في الشؤون الدفاعية عالمياً، وتركز على مقارنات التسلح وتوازن القوى الجوية والبرية، إنه رغم استثمارات دول عربية كبرى في شراء الطائرات المقاتلة والدفاعات الجوية، إلا إن اعتمادها على السلاح الغربي يجعلها مكشوفة.

وأوضحت أن المقاتلات الأمريكية التى تباع للعرب غالباً ما تأتي منقوصة القدرات مقارنة بالنسخ المخصصة للقوات الأمريكية أو الإسرائيلية.

و يخضع استخدام الطائرات هذه لقيود صارمة، خاصة مع تصديرها بأكواد مصدرية (Source Codes) بيد الولايات المتحدة، مما لا يمكن تشغيلها أو تعديلها خارج إرادة واشنطن.

ولهذا السبب اتجهت مصر مؤخراً إلى الاستثمار بكثافة في بناء شبكة دفاع جوي حديثة بالاعتماد على مصادر غير غربية الصين. ويشمل رادارات بعيدة المدى، ومنظومات صواريخ متطورة مضادة للطائرات، إضافة إلى مقاتلات اعتراضية حديثة.

 حلم ناصر

صناعة مقاتلة مصرية دون اللجوء لروسيا في شكلها القديم “السوفيت” أو الولايات المتحدة الأمريكية كان حلماً قديماً للإدارة المصرية بدأ من ستينات القرن الماضي وتشكلت ملامحه على يد الزعيم جمال عبد الناصر.

 

بدأت الحلم يتشكل واقعيا حين اشترت مصر تصميم طائرة مقاتلة من المصصم الألماني الأشهر على الإطلاق وقتها “ويلي مسيرشميت” الذي تم حظره بعد الحرب العالمية الثانية من القيام بأي نشاط بحثي أو تصنيعي قد يضيف للقدرة العسكرية الألمانية.

 

مسيرشميت هاجر في 1955م إلى إسبانيا وانضم لشركة “هيسبانو أفياشن” واستعد لمشروع بناء طائرة مقاتلة أسرع من الصوت، لصالح الأسبان لكنه قوبل بصعوبات مالية كبيرة وسرعان ما تخلى الإسبان عن المشروع في العام 1960م وقتها كانت مجرد رسومات على الورق.

وقامت مصر بشراء المشروع من شركة “Hispano Aviacion” – وواصلت العمل به. ومن هنا تظهر تسمية الطائرة HA 300 كنية لاسم الشركة وليس اختصاراً لكلمة حلوان 300 وتمت مراجعة كاملة وتعديل للتصميم عشان يلبي الاحتياجات المصرية وقتها لمقاتلة اعتراضية قوية.

وتمت صناعة كل جزء من أجزاء “القاهرة 300” واللى معروفة بـ حلوان 300 في مصر وتم بناء نماذج اختبارية منها بلغت ثلاثة نماذج اختبارية هي النموذج V1، والنموذج V2، والنموذج HA-.300 V3. .

 

وبصفة عامة الطائرة كانت تضارع بل وتتفوق في بعض النواحي على مثيلاتها في هذا الوقت ك “Dassault Mirage V” و “F-5 Freedom Fighter” و “Mig 21”.. لكن للأسف في 1969م تم إيقاف المشروع بصفة رسمية ونهائية نتيجة عدة ضغوطات سياسية وأمنية واقتصادية في مرحلة كانت الطائرة فيها جاهزة للإنتاج الكمي ودخول الخدمة.

الضغوط كانت من السوفيت  لإنهاء المشروع وخصوصاً بعد ظهور بوادر نجاحه لأن القاهرة 300 كانت أفضل بكثير من كافة الوجوه من المقاتلة السوفيتية الأشهر وقتها “Mig-21″؛ و الروس لم يكن ليسمحوا بخروج الـ “HA-300” للنور.. فاستغلوا قوة تأثيرهم وحاجة مصر الشديدة لهم من أجل إعادة بناء الجيش وتحرير الأرض وربطوا تلبية احتياجات مصر من السلاح بتوقف هذا المشروع.

كما أن الموساد الإسرائيلي حاول إفشال المشروع وأرسل رسائل تهديد للمهندسين الألمان والنمساويين المشاركين، من خلال طرود مفخخة لهؤلاء المهندسين لإخافتهم وإجبارهم على الرحيل عن مصر.

كذلك مما عاق ظهور المشروع المصري، أن القاهرة كانت في هذا الوقت مرهقة بالعبء الاقتصادي نتيجة جهود إعادة بناء الجيش والاستعداد للحرب وتوقف المشروع نهائيا في 1969م

والخلاصة

مع الأيام قد يتشكل  بداية محور عسكري جديد.. وهنا السؤال: هل “ثلاثي الكان” سيقف عند حدود التصنيع العسكري، أم يتحول لمحور سياسي-عسكري يغير وجه الشرق الأوسط؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى