تحليل مضمون

«الإيجار القديم» صراع الحجر والبشر: هل يُنصف البرلمان المالك أم يحمي المستأجر؟

في خطوة انتظارها كثيرون ويخشاها كثيرون أيضا، بدأ البرلمان المصري مناقشة مشروع قانون جديد يهدف إلى تعديل نظام الإيجار القديم، الذي ظل محل جدل لسنوات بين الملاك والمستأجرين.

يأتي هذا التحرك بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تثبيت القيمة الإيجارية، مما ألزم المشرع بإعادة النظر في هذا القانون لتحقيق التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين.​

 

أرقام تكشف حجم القضية الشائكة

 

وتشير الإحصاءات إلى وجود حوالي 3.019 مليون وحدة مؤجرة بنظام الإيجار القديم في مصر، منها 1.6 مليون وحدة سكنية تسكنها الأسر، بينما تُستخدم البقية لأغراض غير سكنية مثل العيادات والمكاتب والدكاكين والجراجات، وذلك وفقا لتقرير مرصد العمران في مصر.​

وتتركز غالبية هذه الوحدات في القاهرة الكبرى، حيث تسكن 1.1 مليون أسرة في وحدات إيجار قديم، تليها الإسكندرية بنسبة 13%، ثم إقليم الدلتا بـ9%، والصعيد بـ6% .​

وتسدد ثلث الأسر المستأجرة بعقود الإيجار القديم إيجارات تقل عن 50 جنيهًا شهريًا، بينما تدفع 20% من الأسر إيجارات تتراوح بين 50 و100 جنيه شهريًا .​

 

حكم تاريخي أنصف المالك

في التاسع من نوفمبر 2024، هزّ الأوساط القانونية في مصر حكمٌ تاريخي صادر عن المحكمة الدستورية العليا، قضى الحكم بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981، وهو القانون الذي جمّد قيمة الإيجارات لعقود أبرمت منذ الأربعينيات وحتى عام 1996، مانعًا أي زيادات سنوية.

ولطالما شكّل قانون الإيجار القديم معضلة مستعصية ونقطة خلاف محورية في سوق العقارات المصري، ووفقًا لتعداد عام 2017، يعيش حوالي 6.4 مليون مواطن (1.6 مليون أسرة) بموجب هذه العقود.

ويعود تطبيق تجميد الإيجار إلى فترة الحرب العالمية الثانية، كإجراء لحماية المستأجرين من التضخم الحاد، لكن بعد ثمانية عقود، نتج عن ذلك فجوة هائلة بين إيجارات المستأجرين القدامى والأسعار السوقية الحالية.

منذ تحرير السوق عام 1996، أصبح الملاك يتمتعون بحرية تحديد الأسعار والشروط والزيادات في عقود الإيجار الجديدة (“إيجار السوق”)، والتي تشهد زيادات سنوية منتظمة، فعلى سبيل المثال، يدفع بعض المستأجرين في مناطق القاهرة المرموقة أقل من 100 جنيه شهريًا، بينما تُؤجَّر وحدات مماثلة في نفس البنايات بعقود جديدة بمئة ضعف هذا المبلغ.

معضلة الطريق المسدود بين المالك والمستأجر في القانون القديم

 

يشعر ملاك العقارات الذين يعتمدون على دخل محدود من ممتلكاتهم بالإجحاف، بينما يواجه العديد من المستأجرين، خاصة كبار السن وذوي الدخل المحدود، صعوبة في تحمل الأسعار السوقية، ويتهددهم خطر الإخلاء إذا ارتفعت الإيجارات بشكل كبير.

يضاف إلى ذلك أن العديد من المستأجرين القدامى استثمروا في تشطيب وحداتهم التي استلموها غير مكتملة، كما دفع معظمهم مبلغ “خلو رجل” للمالك عند كتابة العقد، هذا التباين الشديد خلق وضعًا أشبه بالطريق المسدود، حيث يشعر كلا الطرفين بالظلم.

هذا الحكم الأخير للمحكمة الدستورية العليا، بإعلانه عدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قانون الإيجار القديم، وضع المشرّع والحكومة أمام مسؤولية معالجة هذه القضية التي طال تأجيلها، وقد كلّفت المحكمة مجلس النواب بوضع تشريع لحل هذه الإشكالية بحلول يونيو 2025، مما أثار نقاشات واقتراحات متنوعة.

رجل عجوز مشرد
رجل عجوز مشرد.. تعبيرية

استثناء تشريعي لحكم المحكمة الدستورية

وعلى الرغم من أن الأحكام الدستورية عادة ما تسري في اليوم التالي لصدورها، فقد منحت المحكمة في هذه الحالة البرلمان مهلة سبعة أشهر، نظرًا لتعقيد القضية وتأثيراتها الاجتماعية المحتملة.

وتتضمن الحلول المقترحة زيادات تدريجية في الإيجارات، وربطها بالموقع الجغرافي أو بدخل المستأجرين، وتقديم دعم حكومي للفئات غير القادرة، إلا أن كل اقتراح يحمل معه تحدياته الخاصة، مثل تحديد نسب الزيادة العادلة، وضمان استقرار السوق، وتجنب عمليات الإخلاء الجماعي لذوي الدخل المنخفض.

يرى مرصد العمران أن معالجة نظام الإيجار القديم بمعزل عن سوق الإيجار ككل لن تكون كافية، ويشدد على ضرورة إصلاح شامل لسوق الإيجار بأكمله، بما في ذلك قطاع الإيجار الجديد غير المنظم، بهدف إنشاء نظام إسكان عادل ومستدام.

تفاصيل القضة التى نخرت جذور القانون القديم

 

تعود جذور قضية المحكمة الدستورية إلى عام 1988، عندما رفع أحد الملاك دعوى قضائية في محكمة الإسكندرية اعتراضًا على عدم قدرته على زيادة إيجار شقته.

وصلت القضية إلى المحكمة الدستورية العليا في عام 1998، واستغرقت حوالي 26 عامًا من المراجعات، ففي البداية، طالب المدعي بإلغاء المادتين الأولى والخامسة، لكن المحكمة أيدت دستورية المادتين الرابعة والخامسة في عام 2006، مما أخرجهما من نطاق القضية الحالية.

لاحقًا، أدرجت المحكمة المادة الثانية في القضية، لأنها تحدد المعايير التي يتم بموجبها تقدير الإيجار، ووفقًا لأحد المحامين المتخصصين في هذه القضايا، هناك ما لا يقل عن 15 قضية أخرى معروضة على المحكمة الدستورية تتعلق بجوانب مختلفة من قانون الإيجار، تشمل الوحدات السكنية والتجارية على حد سواء.

 

ملامح مشروع القانون الجديد للايجار

 

يهدف مشروع القانون الجديد إلى تحقيق توازن بين حقوق الملاك والمستأجرين من خلال زيادة تدريجية في القيمة الإيجارية، حيث  تُقترح زيادة القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا لمدة خمس سنوات، تمهيدًا للوصول إلى القيمة السوقية العادلة.​

كما يقترح إلغاء تدريجي لعقود الإيجار القديم لينص المشروع على إنهاء عقود الإيجار القديم بعد مرور خمس سنوات من بدء تطبيق القانون، مع إلزام المستأجر بالإخلاء بعد هذه الفترة.​

و تم اقتراح حد أدنى لقيمة الإيجار الجديدة ليكون 1000 جنيه في المدن و500 جنيه في القرى.​

ملامح التعديلات على قانون الإيجار القديم
ملامح التعديلات على قانون الإيجار القديم

تباين آراء الملاك والمستأجرين

 

ويرى الملاك أن القانون الحالي لا يعكس القيمة الحقيقية لعقاراتهم، مطالبين بتعديلات تتيح لهم تحقيق عائد عادل أو استعادة أملاكهم.، أما المستأجرون فيخشون من أن تؤدي التعديلات إلى زيادات كبيرة في الإيجارات أو فقدان مساكنهم، مطالبين بحلول تراعي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.​

 

 نظرة على الحكم التاريخي وتداعياته

  1. الحكم التاريخي:

    • التاريخ: 9 نوفمبر 2024
    • الجهة الصادرة: المحكمة الدستورية العليا
    • موضوع الحكم: عدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981.
    • الأثر: إلغاء تجميد الإيجارات للعقود المبرمة بين الأربعينيات و1996.
  • رحلة القضية في المحاكم:

    • تاريخ أول دعوى: 1988 في محكمة الإسكندرية.
    • وصولها للدستورية: 1998.
    • مدة المراجعات في الدستورية: 26 عامًا.
    • قضايا أخرى منتظرة: ما لا يقل عن 15 قضية أخرى تتعلق بقانون الإيجار (سكني وتجاري).
  1. أرقام وحقائق أساسية:

    • عدد الأسر المتأثرة: 1.6 مليون أسرة (حسب تعداد 2017).
    • عدد الأفراد المتأثرين: حوالي 6.4 مليون شخص.
    • فترة تجميد الإيجارات: منذ الأربعينيات حتى 1996.
    • الفارق في الإيجارات: إيجارات قديمة أقل بمئة ضعف من إيجارات السوق في بعض المناطق.
  2. لماذا قانون الإيجار القديم؟

    • السبب الأصلي: حماية المستأجرين من ارتفاع الأسعار خلال الحرب العالمية الثانية.
    • النتيجة بعد 8 عقود: تباينات ضخمة بين الإيجارات القديمة والحديثة.
  3. تحديات المستأجرين والملاك:

    • الملاك: دخل محدود من العقارات وشعور بالاستياء.
    • المستأجرون: خطر عدم القدرة على تحمل الأسعار السوقية والإخلاء (خاصة كبار السن وذوي الدخل المحدود).
    • استثمارات المستأجرين القدامى: تحمل تكاليف تشطيب الوحدات ودفع “خلو رجل”.
  4. مهمة المشرّع والحكومة:

    • المهلة المحددة: يونيو 2025 لوضع تشريع جديد.
    • أسباب المهلة الطويلة: تعقيد القضية والتأثيرات الاجتماعية المتوقعة.

      سيناريو الفراغ القانوني:

      • النتيجة المحتملة: إلغاء تلقائي لأكثر من 1.5 مليون عقد إيجار.
      • الأثر: إغراق المحاكم بآلاف قضايا الإخلاء.

خطوات قادمة ومخاوف 

من المتوقع أن تستمر مناقشات مشروع القانون في البرلمان خلال الفترة المقبلة، مع إجراء حوارات مجتمعية لضمان تحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف،  ويأمل المشرعون في التوصل إلى صيغة توافقية تحقق العدالة الاجتماعية وتعيد التوازن إلى سوق الإيجارات في مصر.​

يمثل تعديل قانون الإيجار القديم خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة بين الملاك والمستأجرين، ومعالجة التشوهات في سوق الإيجارات، ومع استمرار المناقشات، يبقى الأمل معقودًا على التوصل إلى تشريع يحقق التوازن المنشود ويحفظ حقوق جميع الأطراف.​

وتواجه الحكومة الآن مهمة دقيقة لتحقيق توازن بين مصالح الملاك والمستأجرين المتعارضة، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وتجنب أزمة إسكان محتملة بحلول الموعد النهائي في يونيو 2025.

وإذا لم يقر البرلمان تعديلات أو تشريعًا جديدًا أو يمنح تمديدًا، فإن الفراغ القانوني الناتج سيؤدي إلى إلغاء تلقائي لأكثر من 1.5 مليون عقد إيجار، مما سيغرق المحاكم بآلاف القضايا التي يرفعها الملاك لإخلاء المستأجرين.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى