تحليل مضمون

الأثريون أهدروا فرصة الموناليزا.. ماذا يضير أبو الهول إن غفوت عينيه؟

ربما لم تكن وزارة السياحة والآثار المصرية، على القدر الأمثل من الاستعداد لاستغلال تريند «أبو الهول» الذي انتشر حول أهم قطع الآثار المصرية المعروفة عالميًا، وهي الفرصة التي لو أُحسن إدارتها لأحدثت رواجًا في قطاع تأثر كثيرًا بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

أبو الهول نائما“.. تريند كان حديث الإعلام المحلي والدولي، بعد انتشار هاشتاج بأسمه، أحدثتها صورة ومقطع فيديو تُبرز وجه أبو الهول مُغمض العينين، وكأنه نائما، مما أثار حيرة المتابعون وتساؤلات وسخرية استغلها “حرفية التريند” في الترويج لما يقدمونه.

صورة أبو الهول نائما

استغلها فنانون للترويج لصفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وهيئات ومؤسسات خاصة، كان على رأسهم نجم الكوميديا محمد هنيدي، كما لم يغيب عن الصفحة الرسمية لفريق مانشستر سيتي الإنجليزي استغلال الحدث الافتراضي لكسب مزيد من الانتشار حول العالم، بصورة لأبو الهول ينظر لكؤوس الفريق الرياضي، “أغمض عينه ليري عظمة الكؤوس”.

ُقدرت عمليات البحث فقط على مؤشر البحث العالمي “جوجل” عن كلمة أبو الهول بما يزيد عن 200 ألف عملية بحث فقط داخل مصر، وهي الفرضة التي أضاعتها الوزارة على نفسها حين خرج مسئوليها سريعا لنفي صحة الصورة، وكأن سمعة أبو الهول سوف تتلطخ بعار إغماض عينه، بل ذهب الأمر للمطالبة بالبحث عن صاحب الصورة لمسألته قضائيًا.

تعامد الشمس على تمثال رمسيس

وربما أهم ما يمز الآثار الفرعونية، هو عدم بوحها بالمزيد من أسرارها حتي اليوم، ما جعل العديد من البشر حول العالم يعتقدون في لعنة الفراعنة حتى اليوم، رغم خروج الكثير من التفسيرات العلمية التي حللت بالشرح والتدقيق حالات الموت التي صاحبت فتح مقابر أو خزائن للمومياوات.

حالة الحيرة والدهشة والغرائبية، حافظت على تفرد للحضارة المصرية بين قرنائها من حضارات الدول القديمة، ولعل اصطفاف السائحون أمام تمثال رميسيس الثاني ليروا تعامد الشمس عليه خير دليل على ذلك، في حدث أصبح على جدول مزارات السياحة الوافدة لمصر، وهو ما يفسر حالة التدفق من الأجانب والمصريين، على زيارة منطقة أهرامات الجيزة القابع أمامها أبو الهول، حيث قدر عدد الزوار وفقا لإحصائيات غير رسمية بين 2000 إلى 2800 زائر مصري، بينما تراوح عدد الزائرين الأجانب بين 1000 إلى 1800 زائر، بينهم عدد من الصحفيين ووسائل الإعلام لتصوير تمثال أبو الهول، وذلك بعد يوم واحد فقط من صورة أبو الهول المثيرة للحيرة.

وكان من المعتاد أن تستقبل المنطقة في تلك الأوقات من السنة أعداد تتراوح من 700 إلى 800 زائر مصري في اليوم خاصة، مع تزامن وقت امتحانات نهاية العام الدراسي، الذي يشغل بال جميع الأسر المصرية، ويفرض حالة من التقوقع داخل المنازل.

تزاحم لزيارة أبو الهول

خروج الأثريون لنفي واقعة إغماضة أبو الهول، أغلق على مصر مصدر للعملة الأجنبية وداعية عالمية مجانية، وهي شائعة يعلم الجميع أنها غير واقعية، فليس معقولا أن يتحرك الحجر، ولم يكن لزوما خروج هذا الكم من الخبراء والعلماء لنفي ما لم يصدقه عقل أصلا.

الأمر لفت انتباه وسائل إعلام عربية ودولية، خاصةً أن الآثار المصرية تتمتع باهتمام واسع النطاق لدى جميع شعوب العالم، مما كثف البحث في الساعات القليلة الماضية على جوجل للوقوف على حقيقة المسألة.

زيادة الإقبال على زيارة أبو الهول

رد وزارة السياحة والآثار

وكشفت عدد من المصادر بوزارة السياحة والآثار، أن صور تمثال أبو الهول المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي والتي  ظهر خلالها نائما ليست أكثر من عمليات فوتوشوب وليس لها أساس من الصحة.

وأضافت مصادر وزارة السياحة والآثار أن كل ما يتردد في هذا الصدد مجرد ترهات لا أساس لها من الصحة.

حجم السياحة في مصر وأهميتها للعملة الأجنبية

كانت الحكومة المصرية توقعت مؤخرًا تأثر إيرادات النقد الأجنبي من السياحة خلال الفترة المقبلة؛ لتداعيات الحرب، حيث تظهر بيانات خطة مصر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية والتي عرضها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، خلال المؤتمر الصحفي العالمي لحكومته، أن 31% من إجمالي أعداد السائحين الوافدين لمصر خلال الفترة من يوليو وحتى يناير الماضيين، كانت من روسيا وأوكرانيا.

وزار مصر خلال هذه الفترة أكثر من 1.1 مليون سائح روسي، ومن أوكرانيا 793.9 ألف سائح.

وكشف النائب سيد قاسم وكيل لجنة السياحة والطيران بمجلس النواب، أن هناك العديد من المؤسسات الدولية والمنظمات العالمية المعنية بالسياحة العالمية، تتوقع بدء عودة حركة السياحة الوافدة إلى مصر إلى طبيعتها تدريجيًا خلال النصف الثاني من عام 2022، لما كانت عليه قبل أزمة أوكرانيا نتيجةً لتزايد الطلب على مصر عالميًا، والانفتاح الذي عم على أغلب الدول مع تراجع وانحسار جائحة كورونا.

وقال «قاسم»، إن هناك نظرة تفاؤلية كبيرة بعود السياحة إلى طبيعتها في مصر، وسط المساعي الحثيثة التي يقوم بها القطاع السياحي في مصر لاستعادة التدفقات السياحية من أهم الأسواق المصدرة للسياحة وعلى رأسها روسيا، التي تأثرت الحركة الوافدة منها بسبب الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.

وكانت إيرادات السياحة في مصر سجلت قفزة خلال العام الماضي لتبلغ 8.9 مليار دولار مقابل 4.4 مليار دولار في عام 2020، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

وتُعد إيرادات السياحة واحدة من أبرز الإيرادات الدولارية لمصر بجانب الصادرات وتحويلات العاملين وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر.

لوحة دافنشي وحالة الغموض

الموناليزا

الموناليزا للإيطالي ليوناردو دافينشي، وُصِفت بِأنها أكثر الأعمال الفنية شهرة في تاريخِ الفن، وأكثر عمل فني يتم الكتابة عنه، والتغني به، وزيارته من بينهم، كما وُصفت أيضًا بِأنها أكثر الأعمال الفنيّة التي تمت محاكاتها بشكلٍ ساخر في العالَم.

الموناليزا أصبحت أشهر عمل فني في العالَمِ؛ حيث يصل عدد زوارها إلى ستةِ ملايين زائر خلال السنة الواحدة بنسبة 80% من زوار متحف اللوفر، وعلى الرغم من ذلك لم تكن الموناليزا تحظ بهذه الشهرة حتى مطلع القرن العشرين.

كانت الموناليزا في ذلكَ الوقت مجرد لوحة مِنْ بين لوحاتِ عديدة، لكن مع بداية القرن التاسع عشر بدأ الناس يمدحون دافينشي وساد اعتقاد حينها بأنه عبقري، ومن ثم بدأت شهرة الموناليزا تنمو تدريجيًا مع مطلع منتصف القرن التاسع عشر، بسبب أبعاد الرسم، ونظرتها الغريبة للواقف أمامها وابتسامتها التي وُصفت بِأنها غامضة ومبهمة؛ حيثُ حيرت العديد مِن الأشخاص مِثل سيجموند فرويد وأساتذة جامعة هارفارد وأعداد لا تحصى مِن المشاهدين، إلى جانب ذلك؛ استخدامه لطريقة الرسم بمنظور من نقطة واحدة في الخلفية، وهنالك أمر يتعلق بجل التكوين الفني لهذه اللوحة، والطريقة التي استخدمها في رسم المنظور الجوي، حيث يساهم كل منهم في إيصال الصورة الشاملة لهذه اللوحة، كل هذه الأسئلة جعلت من لوحة عادية أهم لوحة فنية في العالم.

ورغم عظمة تمثال أبو الهول، إلا أن الأثريون لم يمنحوه الفرصة لحصد اهتمامات البشرية، للبحث عنه، ومعرفة المزيد من أسرار شخصية، فربما بقليل من التأني والصمت، لأصبحنا نقرأ تحليلات عن عظمة النحت الفرعوني، وسر إغماض أبو الهول عينيه، وفي أي وقت يفتح عينيه ليحرس الأهرامات، وما دلالاتها، لينطلق عنان التحليل كما فعل الفرنسيون مع لوحة سيدة كئيبة غير معروف حقيقتها، فقط تركوا عنان الخيال لصناعة الهالة والغرابة، فحصدوا شغف الملايين.


زر الذهاب إلى الأعلى