تحليل مضمون

هل تستطيع الصين النجاح فيما فشلت فيه أمريكا؟.. 5 أسباب للحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل

بعد اشتعال الحرب بين حماس وإسرائيل، ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنه في الوقت الذي يشعر فيه الإسرائيليون والفلسطينيون بالحزن على قتلاهم وينتظرون بترقب أي أخبار عن مفقوديهم، فإن الميل للبحث عن شخص يمكن إلقاء اللوم عليه أمر لا يستطيع الكثيرون في الجانبين مقاومته. فالإسرائيليون ومؤيدوهم يريدون إلقاء اللوم كله على حركة حماس. بينما يرى أولئك الأكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية أن المأساة هي نتيجة حتمية لعقود من الاحتلال والمعاملة القاسية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

ويصر آخرون على أن هناك قدرا كبيرا من اللوم على الطرفين، وإن أي شخص يرى أن أحد الطرفين بريء تماما والآخر مسؤول بمفرده، فإنه بذلك يفقد أي قدرة على الحكم العادل.

وترى “فورين بوليسي” أنه من المحتم أن يؤدي الجدال حول أي من الأطراف المباشرة الأكثر مسؤولية إلى التعتيم على الأسباب المهمة للصراع الطويل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والتي سيستمر آثارها وصداها لفترة طويلة حتى بعد توقف القتال الحالي.

وفي هذا السياق، هناك ما لا يقل عن خمس حلقات أو عناصر رئيسية ساعدت في إيصالنا إلى الأحداث المأساوية التي وقعت في الأسبوعين الماضيين.

 

 

5 أسباب للحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل

 

وتمثل العنصر أو الحلقة الأولى في حرب الخليج عام 1991 وتداعياتها (مؤتمر مدريد للسلام)، حيث كانت حرب الخليج عرضا مذهلا للقوة العسكرية الأمريكية والبراعة الدبلوماسية التي أزالت التهديد الذي كان يشكله الرئيس العراقي صدام حسين –وفقا للمجلة- على توازن القوى الإقليمي. فمع اقتراب الاتحاد السوفييتي من الانهيار، أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد. وقد اغتنم الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر وفريق من ذوي الخبرة في منطقة الشرق الأوسط هذه الفرصة لعقد مؤتمر للسلام في أكتوبر عام 1991، ضم ممثلين عن إسرائيل وسوريا ولبنان ومصر والمجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول أخرى، ووفد أردني/فلسطيني مشترك.

ورغم أن المؤتمر لم يسفر عن نتائج ملموسة، إلا أنه وضع الأساس لجهد جاد لبناء نظام إقليمي سلمي. ومن المثير للاهتمام في هذا المقام أن نتأمل ما كان من الممكن أن يتحقق لو أعيد انتخاب بوش الأب عام 1992 وأتيحت لفريقه الفرصة لمواصلة عملهم.

ومع ذلك، فقد احتوى مؤتمر مدريد أيضا على خلل كبير، وهو الخلل الذي زرع بذور الكثير من المتاعب في المستقبل، حيث لم تتم دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر، وقامت بالرد على استبعادها بتنظيم اجتماع لقوى “الرفض” والتواصل مع الجماعات الفلسطينية بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي. ويرى مراقبون أن إيران تعتبر نفسها قوة إقليمية كبرى وتوقعت الحصول على مقعد على الطاولة؛ لأن مؤتمر مدريد لم يكن ينظر إليه حينها على أنه مجرد مؤتمر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بل كلحظة فاصلة في تشكيل نظام الشرق الأوسط الجديد. وكان رد طهران على مدريد استراتيجيا في المقام الأول وليس أيديولوجيا، حيث سعت إلى أن تثبت للولايات المتحدة وغيرها أنها يمكن أن تعرقل جهودهم لإنشاء نظام إقليمي جديد إذا لم تؤخذ مصالحها في الاعتبار.

وهذا هو ما حدث على وجه التحديد، حيث أدت التفجيرات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف المتطرف إلى تعطيل عملية مفاوضات اتفاقيات أوسلو وتقويض الدعم الإسرائيلي للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وبمرور الوقت، ومع بقاء السلام بعيد المنال وتدهور العلاقات بين إيران والغرب بشكل أكبر، أصبحت العلاقات بين حماس وإيران أقوى.

وكان الحدث الحاسم الثاني هو المزيج المشؤوم من هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية والغزو الأمريكي اللاحق للعراق في عام 2003. وقد اعتقدت إدارة جورج دبليو بوش (الابن) أن الإطاحة بنظام صدام حسين من شأنها القضاء على التهديد المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية، وتذكير الخصوم بقوة الولايات المتحدة، وتوجيه ضربة ضد الإرهاب على نطاق أوسع، وتمهيد الطريق لتحول جذري في الشرق الأوسط بأكمله.

لكن ما حصلوا عليه، للأسف، كان مستنقعا مكلفا في العراق، وتحسنا هائلا في موقع إيران الاستراتيجي. وأثار هذا التحول في ميزان القوى في الخليج قلق دول الخليج، وبدأت تصورات التهديد المشترك من إيران في إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية.

كما شجعت المخاوف من “تغيير النظام” بقيادة الولايات المتحدة، إيران، على السعي للحصول على قدرة كامنة في مجال الأسلحة النووية، ما أدى إلى زيادة مطردة في قدرتها على تخصيب اليورانيوم وعقوبات أكثر صرامة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة.

وتمثل الحدث الرئيسي الثالث في تخلي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (الاتفاق النووي) مع إيران وتبنيه سياسة “الضغط الأقصى”. وكان لهذا القرار الذي وصفته المجلة الأمريكية بـ “الأحمق” العديد من الآثار المؤسفة، فقد سمح لإيران بإعادة تشغيل برنامجها النووي والاقتراب أكثر من القدرة الفعلية على تصنيع الأسلحة، كما أدت حملة الضغط الأقصى إلى قيام إيران بمهاجمة شحنات النفط والمنشآت في منطقة الخليج العربي، ما أدى إلى تفاقم المشكلة. وكما هو متوقع، زادت هذه التطورات من مخاوف دول بالمنطقة وزادت اهتمامهم بالحصول على بنية تحتية نووية خاصة بهم.

الحدث أو التطور الرابع كان ما يسمى باتفاقيات “أبراهام”، ويعد هذا الحدث في بعض النواحي امتدادا منطقيا لقرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وكانت هذه الاتفاقيات، التي تعود إلى أفكار استراتيجي هاوي (صهر ترمب) جاريد كوشنر، عبارة عن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.

وأشار النقاد إلى أن الاتفاقيات لم تفعل سوى القليل نسبيا لتعزيز قضية السلام؛ لأن أيا من الحكومات العربية المشاركة لم تكن معادية لإسرائيل أو قادرة على إيذاءها. كما أن السلام الإقليمي –وفقا لمراقبون- سيظل بعيد المنال طالما ظل مصير سبعة ملايين فلسطيني يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية دون حل.

وأشارت “فورين بوليسي” وفقا لترجمة وكالة أنباء الشرق الأوسط، إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن واصلت السير على نفس المسار تقريبا، حيث لم تتخذ أي خطوات ذات مغزى لمنع حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة بشكل متزايد من دعم أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون، والتي أدت إلى ارتفاع عدد القتلى والمشردين بين الفلسطينيين على مدى العامين الماضيين. وبعد الفشل في الوفاء بوعد حملته الانتخابية بالانضمام مرة أخرى على الفور إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، ركز بايدن ورفاقه جهودهم الرئيسية على إقناع دول عربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل نوع من الضمانات الأمنية الأمريكية وربما الوصول إلى التكنولوجيا النووية المتقدمة.

ويبدو أن كبار المسؤولين الأمريكيين مثلهم في ذلك مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته، افترضوا أنه لا يوجد شيء يمكن لأي مجموعة فلسطينية القيام به لعرقلة أو إبطاء خططهم التطبيعية أو لفت الانتباه مرة أخرى إلى محنتهم. ولسوء الحظ، فإن حماس تحركت لإظهار مدى خطأ هذا الافتراض. وإن الاعتراف بهذه الحقيقة لا يبرر بأي حال من الأحوال –وفقا للمجلة الأمريكية- ما فعلته حماس؛ بل هو ببساطة الاعتراف بأن قرار حماس بالقيام بشيء ما – وخاصة توقيته – كان استجابة للتطورات الإقليمية التي كانت مدفوعة إلى حد كبير بمخاوف أخرى.

وبالنسبة للحدث الخامس والأخير، فإنه يتمثل في فشل الولايات المتحدة المستمر في إنهاء واستكمال ما يسمى بعملية السلام. فقد احتكرت واشنطن إدارة عملية السلام منذ اتفاقيات أوسلو، التي لم تؤد على مر السنين إلى أي نتيجة في نهاية المطاف. فقد أعلن الرؤساء الأمريكيين السابقين بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة – أقوى دولة في العالم- ملتزمة بتحقيق حل الدولتين، ولكن هذا النتيجة الآن أبعد من أي وقت مضى وربما مستحيلة.

وترى “فورين بوليسي” أن العناصر الخمسة سالفة الذكر مهمة لأن طبيعة النظام العالمي المستقبلي تواجه خطر التغيير في ظل تحدي العديد من الدول المؤثرة “للنظام القائم على القواعد” الليبرالي الذي دافعت عنه الولايات المتحدة لعقود من الزمن، وهو ما يتضح في دعوة الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وإيران ودول أخرى علنا إلى نظام متعدد الأقطاب، حيث يتم تقاسم السلطة بشكل أكثر توازنا. إنهم يريدون أن يروا عالما، لم تعد الولايات المتحدة تتصرف فيه باعتبارها القوة التي لا غنى عنها.

من المؤسف بالنسبة للولايات المتحدة أن الأحداث الخمسة سالفة الذكر وتأثيرها على المنطقة توفر ذخيرة قوية لانتقاد واشنطن، وهو ما تجلى في مسارعة بعض القادة العالميين للإشارة: “انظروا إلى منطقة الشرق الأوسط.. الولايات المتحدة تدير المنطقة بنفسها منذ أكثر من ثلاثة عقود، فماذا أنتجت قيادتها؟ نرى حروبا مدمرة في العراق وسوريا والسودان واليمن، ولبنان يعاني بشدة، وهناك فوضى في ليبيا. لقد تحولت الجماعات الإرهابية وتحورت وزرعت الخوف في عدة قارات، ولا تزال إيران تقترب من القنبلة النووية. لا يوجد أمن لإسرائيل ولا أمن ولا عدالة للفلسطينيين. هذا ما ستحصلون عليه عندما تتركون واشنطن تدير كل شيء يا أصدقائي. ومهما كانت نواياهم، فقد أظهر لنا قادة الولايات المتحدة مرارا وتكرارا أنهم يفتقرون إلى الحكمة والموضوعية لتحقيق نتائج إيجابية، ولا حتى لأنفسهم”، وفقا لما ذكرت “فورين بوليسي”.

 

بعد اشتعال الحرب بين حماس وإسرائيل.. هل تستطيع الصين النجاح فيما فشلت فيه أمريكا؟

 

وتساءلت المجلة الأمريكية، ألا يمكن أيضا تخيل مسؤول صيني (في ظل سعي بكين للصعود عالميا) يتحدث عن الوضع في المنطقة قائلا: “هل لي أن أوضح أننا نتمتع بعلاقات جيدة مع الجميع في المنطقة، وأن مصلحتنا الحيوية الوحيدة هناك تتلخص في القدرة على الوصول إلى الطاقة بشكل موثوق. ولذلك، نحن ملتزمون بالحفاظ على المنطقة هادئة وسلمية، ولهذا السبب ساعدنا إيران والمملكة العربية السعودية على إعادة العلاقات بينهما في العام الماضي. أليس من الواضح أن العالم سيستفيد إذا تراجع دور الولايات المتحدة هناك وتزايد دورنا؟”.

بلا شك، إذا كنت شخصا يعتقد أن مواجهة التحدي المتمثل في الصين الصاعدة يمثل أولوية قصوى، فقد ترغب في التفكير بعمق في كيفية مساهمة تصرفات الولايات المتحدة السابقة في الأزمة الحالية، وكيف سيستمر ظلال الماضي في الظهور، وتقويض مكانة الولايات المتحدة في العالم في المستقبل.

ونوهت “فورين بوليسي” إلى أنه يحسب لإدارة بايدن وفريقه للسياسة الخارجية عملهم على مدار الأسبوع الماضي ما يجيدون القيام به، وهو على وجه التحديد إدارة أزمة كانت على الأقل جزئيا من صناعتهم. إنهم يعملون حاليا جاهدين للحد من الأضرار، ومنع تطور الصراع، واحتواء التداعيات السياسية له، مع وضع حد للعنف. وينبغي لنا جميعا أن نأمل أن تنجح جهودهم.

لكن من الأفضل –وفقا للمجلة الأمريكية- أن يتم النظر إلى فريق السياسة الخارجية التابع للإدارة الأمريكية باعتباره ميكانيكيا ماهرا وليس مهندسا. إنهم –بلا شك- بارعون في استخدام أدوات القوة الأمريكية وآليات معالجة المشاكل قصيرة المدى، لكنهم عالقون في رؤية عفا عليها الزمن لدور أمريكا العالمي، بما في ذلك كيفية تعاملها في الشرق الأوسط. ومن الواضح أنهم أخطأوا بشدة في قراءة الاتجاه الذي يتجه إليه الشرق الأوسط، وأن تطبيق أسلوب المسكنات اليوم ــ حتى لو تم ذلك بمهارة شديدة ــ سوف يترك الجروح الكامنة دون علاج.

وشددت “فورين بوليسي” على أنه إذا كانت النتيجة النهائية لإدارة بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن هي محاولة العودة إلى وضع ما قبل أحداث أكتوبر الحالية، فهناك مخاوف أن ينظر بقية العالم، في حالة من القلق والاستنكار، ويستنتج أن الوقت قد حان لتبني نهج مختلف عن النهج الأمريكي.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى