تحليل مضمون

آثار السودان.. من يحمي كنوز «أبناء النيل» من رحي الحرب؟

سلطت الشرق بلومبرج الضوء على آثار السودان والمخاطر التي تحيط بها داخل دائرة أكبر تحيط الوطن أجمع بالمخاطر، وتعصف بالبشر والحجر، فقد دارت رحي الحرب الأهلية في السودان ولا يعرف مداها إلا الله، وهي الحروب التي دائما ما تكون فرصة لناهبي آثار وخيرات الشعوب في غفلة أبناء الوطن.

 

جاء في التقرير: يحمل الفارّون من الحروب عادة، هويةً ومفتاحاً وذكريات تواسيهم في أيام اللجوء والشتات، لكنهم يتركون خلفهم ما يعتبرونه كماليات وجماليات، لا متّسع لها في حفلات الجنون والعنف، وفي مقدّمها القطع الفنية واللوحات ومقتنيات المتاحف والآثار، فهي تبقى رهينة المسلحين والغافلين عن قيمة التاريخ والتراث.

بعد سوريا والعراق واليمن وفلسطين، اشتعلت جهنم السودان، خامس دولة عربية يستوطن فيها السلاح والعسكر ومعارك الأشقّاء، نزح من نزح منذ الرابع عشر من أبريل مع بدء المعارك بين الجيش والدعم السريع، تُركت البيوت والأرزاق والمتاحف والمواقع الثقافية، من دون “دعم سريع”، يجنبّها أعمال النهب والتدمير.

ولأن معظم دولنا لا تحمي تراثها عبر خططٍ واستراتيجيات، وتكرّر خساراتها مع كل حرب، فإن السودان المتروك اليوم لتصفية حسابات العسكر، سيصفي مخزونه من التراث والآثار، وهذا ما أكدته سارة سعيد، مديرة متحف التاريخ الطبيعي في السودان، في بيان وجّهته إلى المجلس الدولي للمتاحف (Icom)، وأكدت فيه أن “متاحف السودان عالقة في مرمى نيران المعارك بين الطرفين المتنازعين، وأن حجم الأضرار التي لحقت بالمتحف غير معروفة حتى اليوم”.

أثار السودان
أثار السودان

قلق الأوساط الثقافية السودانية على موروث العصور

صانع الأفلام والمصوّر السوداني إبراهيم سائحون تحدث لـ “الشرق” عن قلق يعمّ الأوساط الثقافية والفنية السودانية من تدمير المتحف القومي قبل نهبه، وأوضح أن “معارك قوية تركّزت أخيراً بين الطرفين في شارع النيل، وتتركّز في محيط المتحف مباشرةً”.

وأكد سائحون “صعوبة الوصول إلى الشارع المذكور، وأن أحداً لم يجرؤ على تفقّد المقتنيات التي قد تكون تعرّضت للسرقة والنهب فضلاً عن التدمير”. ولفت إلى أن “متاحف السودان ومعارضه الفنية هي الآن من دون حراسة لحمايتها من النهب والتخريب، ويطغى على اهتمام الناس تأمين الغذاء والماء وغير ذلك من المستلزمات الضرورية”.

وأشار سائحون إلى أن المتحف القومي ضخم ويضمّ آلاف القطع النادرة، “لكنه كان مصاباً منذ البداية بما هو أصعب من الحرب، أي الإهمال المتعمّد”، ولفت إلى أن آخر فعالية ثقافية نظّمها في المتحف بالتعاون مع السفارة الهولندية و”world photo press “عام 2021، كان معرضاً عن صور الصحافة العالمية، بمناسبة فوز فنان ياباني بصورة من اعتصام ميدان السودان أثناء الثورة.

أضاف: “استمرت أعمال الصيانة التي سبقت الفعالية شهراً كاملاً، كي يصبح المكان صالحاً لاستضافة هذا الحدث، وذلك على نفقة السفارة الهولندية طبعاً”.

تاريخ أكبر متاحف السودان 

يعتبر “المتحف القومي” أكبر متاحف السودان، وقد زاره عدد كبير من القادة والزعماء وكبار الشخصيات من مختلف أنحاء العالم.

ويحتضن المتحف الذي تمّ افتتاحه في شارع النيل عام 1971، معالم أثرية للحضارة السودانية، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ الحجرية، مروراً بالفترة الإسلامية، وصولاً إلى الآثار النوبية والفترة المسيحية.

لعبت الثقافة والفن دوراً مهماً في حياة السودانيين، وساهم الحراك الثقافي الذي تمّ تنشيطه عبر فنانين ومثقفين من جيل الشباب، في رفع منسوب الوعي بالقضايا الثقافية في البلاد، وتكوين رأي عام حول قضايا السياسة والحكم.

متحف السودان
متحف السودان

مواقع مهددة 

يشتهر السودان، أحد أكبر دول إفريقيا بكثرة مواقعه الأثرية القديمة، المهدّدة اليوم بتداعيات الصراع، وأبرزها:

دنقلا القديمة، وهي مقرّ للسلطة المسيحية خلال العصر النوبي، تقع على ضفاف النيل ، اكتشف فريق من علماء الآثار البولنديين أخيراً مجمعاً مخفياً من الغرف التي تحتوي على أعمال فنية مسيحية فريدة من نوعها. يُستخدم الموقع حاليا كملاذ للعائلات الهاربة من العنف في الخرطوم.

مدينة مروي القديمة، وكانت ذات يوم عاصمة مملكة كوش، وهي حضارة قوية ازدهرت من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي. يوجد في مروي أكثر من 200 هرم شُيد كأماكن دفن للعائلة المالكة والنخب في المملكة.

جبل البركل، كان ذات يوم مركزاً دينياً لمملكة كوش. يعدّ الجبل موطناً للعديد من المعابد والمقابر، بما في ذلك معبد آمون، المخصّص للإله المصري القديم.

 

 

 

برنامج إنقاذي
وكان المدير السابق للهيئة العامة للآثار والمتاحف السودانية عبدالرحمن علي، أكد في مقابلة مع “إندبندنت عربية” في عام 2022، شروع الأجهزة الرسمية في إجراءات أوّلية لحصر ومتابعة الآثار الوطنية التي خرجت بصورة غير شرعية عبر السرقة أو التهريب، سواء في الفترات الاستعمارية أو اللاحقة لها، لتبدأ الأجهزة المتخصصة بمتابعتها وفق الطرق القانونية والدبلوماسية.

كما أعدّت منظمة اليونسكو في الستينات برنامجاً إنقاذياً غير مسبوق تاريخياً، وأطلق مديرها العام نداء شهيراً في مارس 1960، حثّ فيه على طلب المساعدة التقنية والمالية من أجل الحفاظ على الآثار النوبية من الدمار المحدق بها، بسبب إنشاء السدّ العالي الذي هدّد بإغراقها بالكامل”.

وتعتبر هذه الحملة العالمية بحسب الهيئة العامة للآثار السودانية “نقطة تحوّل كبيرة في مسيرة العمل الأثري الإنقاذي في السودان، على أمل إنقاذ المتاحف اليوم من الحرب التي انتهى إليها السودان الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى