كيف أسهمت أزمة سوريا في تصاعد الخلافات بين تركيا وإيران؟
ومن بين هذه القوى، تبرز تركيا وإيران اللتين كانتا لهما تأثير كبير على مجريات الحرب السورية. ورغم محاولات التعاون في عدة مسائل، إلا أن الأزمة السورية شكلت عاملًا رئيسيًا في تصاعد الخلافات، لاسيما بعد تزايد التدخلات العسكرية والتغيرات الميدانية الحاسمة في الأشهر الأخير.
رغم العبارات الودية التي استخدمها وزيرا الخارجية التركي، هاكان فيدان، والإيراني، عباس عراقجي، خلال مؤتمر صحفي مشترك في 2 ديسمبر 2024، إلا أن تصريحاتهما سلطت الضوء على التباين الجذري في مواقف البلدين حيال الأزمة السورية، وقد تبدو العلاقات بين الجانبين ودية ظاهريًا، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى تصاعد الخلافات العميقة بينهما، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل العلاقات بين الدولتين.
وفي الأيام التي سبقت سقوط النظام السوري، كانت هناك زيارات مهمة بين المسؤولين الإيرانيين والأتراك في إطار سعي كل منهما لتعزيز موقفه في الأزمة السورية، وفي مطلع ديسمبر 2024، قام عباس عراقجي بزيارة إلى دمشق حيث التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي كان يواجه مصيرًا مجهولًا مع اقتراب نهاية نظامه، وجلبت زيارة عراقجي رسالة دعم قوية من إيران للنظام السوري الذي كانت تدعمه طهران عسكريًا منذ بداية الصراع.
وبعد هذه الزيارة، توجه عراقجي إلى أنقرة، في محاولة للحصول على دعم تركيا للأسد، ولكن تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كشفت عن وجود خلافات كبيرة. حيث صرح فيدان بأن “محاولة تفسير الأحداث في سوريا على أنها تدخل خارجي في هذه المرحلة هو أمر خاطئ”، مؤكدًا أن تصاعد الأزمة يعود إلى مشكلات داخلية في سوريا وتجاهل المطالب المشروعة للتنظيمات السورية.
التباين بين تركيا وإيران
الاختلاف الأكبر بين تركيا وإيران يتعلق بتفسير أسباب الأزمة السورية، ففي حين أن تركيا ترى أن ما يحدث في سوريا هو نتيجة لتراكم مشكلات داخلية، وفشل النظام السوري في التعامل مع مطالب التنظيمات السورية، فإن إيران تعتبر أن القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، هي المسؤولة عن إشعال الأزمة.
وأشار عراقجي، إلى أن “الجماعات الإرهابية في سوريا، مثل هيئة تحرير الشام، لديها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعمل على خلق حالة من عدم الاستقرار في البلاد بهدف تحويل الأنظار عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ولبنان”، ومن خلال هذا التصور، تتبنى إيران رؤية مفادها أن أي تقدم للتنظيمات السورية يعد جزءً من خطة غربية لإضعاف النظام السوري، وهي رؤية تتناقض بشكل جوهري مع الموقف التركي.
تقدم التنظيمات وانهيار النظام
بحلول ديسمبر 2024، كان الصراع السوري قد بلغ مرحلة حاسمة، حيث بدأت التنظيمات السورية المدعومة من تركيا في التقدم نحو دمشق، وتمكنت من السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك حلب، التي كانت تحت سيطرة النظام السوري منذ سنوات، وشكل هذا التقدم نقطة تحول فارقة في مجريات الحرب، حيث أصبح من الواضح أن النظام السوري يقترب من السقوط.
وإيران، التي كانت الداعم الرئيسي لبشار الأسد على مدار سنوات الصراع، كانت تأمل في الحفاظ على نفوذها في المنطقة عبر دعم النظام. لكن مع تقدم التنظيمات السورية، التي كانت تركيا تساندها، بدأ النفوذ الإيراني في التراجع بشكل كبير، وومع انهيار النظام، أصبحت إيران في وضع صعب حيث خسرت شريكها الرئيس في المنطقة، مما زاد من تعقيد علاقاتها مع تركيا.
الخلافات حول المستقبل السوري
يزيد من تعقيد الوضع أن هناك تخوفًا في طهران من أن يؤدي هذا الوضع إلى تهميش دور إيران في سوريا، وهو ما يعزز من حدة الخلافات مع تركيا، التي تستعد لإعادة تشكيل المشهد السوري وفق مصالحها الخاصة.
وفي ظل التصعيد العسكري الأخير وانهيار النظام السوري، يبدو أن العلاقة بين تركيا وإيران دخلت مرحلة من التوترات العميقة، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل التعاون بين البلدين في المرحلة المقبلة. بينما ستحاول تركيا تعزيز نفوذها في الشمال السوري، فإن إيران ستبحث عن طرق للحفاظ على وجودها في مناطق أخرى من سوريا، لا سيما في الجنوب.
تصاعد الخلافات التركية الإيرانية
من المحتمل أن تستمر الخلافات بين الجانبين في المستقبل القريب، ما لم يتم التوصل إلى تسوية بين القوى الفاعلة في الصراع السوري. وفي هذا السياق، وتبقى سوريا واحدة من أكثر النقاط توترًا في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى والإقليمية في صراع معقد ومتعدد الأبعاد.
وتسهم الأزمة السورية في تصاعد الخلافات بين تركيا وإيران، حيث يتبنى كل طرف موقفًا مختلفًا بشأن مستقبل سوريا وسبل التعامل مع الأزمة، وبينما تسعى تركيا إلى تحقيق نفوذ أكبر في المنطقة على حساب النظام السوري المدعوم من إيران، فإن الأخيرة تحاول الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في سوريا، ومع سقوط النظام السوري في الأفق، يبدو أن هذه الخلافات ستستمر في التأثير على العلاقات بين البلدين، مما يعقد أي جهود للوصول إلى حل سلمي للصراع السوري.
صراع على النفوذ في سوريا
من جانبه، يقول المحلل السياسي، الدكتور أحمد العناني، إن سوريا كانت تُعد بيئة حاضنة للميليشيات الإيرانية في المنطقة، حيث استفادت إيران بشكل كبير من وجودها في الداخل السوري، سواء على صعيد تهديد إسرائيل والولايات المتحدة أو زيادة مناطق النفوذ الإيراني. هذا التواجد كان يعتبر مكسبًا استراتيجيًا لإيران.
ويضيف العناني في تصريحات خاصة لـ “شبكة رؤية الإخبارية”، أن دعم تركيا للتنظيمات السورية كان بمثابة تهديد مباشر للتواجد الإيراني في سوريا، خصوصًا بعد أن تمكنت التنظيمات السورية بدعم روسي وإيراني من السيطرة على عدة مناطق في 2016، ما دفع إيران إلى دعم بشار الأسد لمواجهة هذا التهديد، ومع إسقاط النظام، أصبح من غير المتوقع أن يكون لإيران مستقبل في سوريا.
ماذا بعد انهيار النظام؟
يشير العناني، إلى أن القوى المحلية، مثل هيئة تحرير الشام والفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، لن تقبل بتواجد إيران في سوريا، وهو ما يعكس تحولًا في الموقف تجاهها. كما أشار إلى أن إيران تجد نفسها في صراع مع تركيا، حيث أن مسار أستانا الذي ضم روسيا وتركيا وإيران كان يهدف إلى ضمان الوجود الإيراني عبر تقاسم مناطق النفوذ، لكن مع انهيار هذا الاتفاق، أصبح التواجد الإيراني في سوريا مرفوضًا.
وفي ختام حديثه، يقول العناني إن إيران كانت تستفيد من وجودها في سوريا لممارسة ضغوط على الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة أن سوريا كانت المنفذ الوحيد لإيران على البحر الأبيض المتوسط، كما كانت تمثل جزءًا من الأيديولوجية الإيرانية. لكن مع تغير الوضع السياسي والعسكري في سوريا، فإن الطموحات الإيرانية باتت تواجه مصيرًا مجهولًا، خصوصًا مع العداء المتزايد بين إيران وتركيا الذي يؤثر بشكل كبير على مستقبلها في المنطقة.