خريطة جديدة للترسانة العسكرية الدولية.. هوس أوروبي نحو التسلح لمواجهة الدب الروسي
وكالات
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام حشد من الجماهير في (وارسو) عاصمة بولندا في 26 مارس المنصرم إنه من خلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنشيط الديمقراطيات في العالم، وعزز عزم حلف شمال الأطلسي الناتو.
وعقب ذلك بيومين، قدم بايدن إلى الكونجرس ميزانية تضمنت 813 مليار دولار للإنفاق الدفاعي، ووصفها بأنها “واحدة من أكبر الاستثمارات في أمننا القومي في التاريخ”.
ميزانية الكونجرس 813 مليار دولار للإنفاق الدفاعي
وذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أنه في غضون ذلك، قام العديد من حلفاء الناتو في أوروبا بتعزيز قواتهم بشكل أسرع، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل سيتم إنفاق الأموال الإضافية للتسليح بشكل فعال.
وأشارت إلى أنه إذا تم البدء بميزانية الدفاع الأمريكية الضخمة، وهي الأكبر في العالم، والتي تمثل حوالي 40% من حجم الإنفاق العسكري العالمي، سنجد أن أرقام إدارة بايدن قد لا تتطابق مع خطابها تماما، حيث يمثل المبلغ الإضافي البالغ 17 مليار دولار فوق الإنفاق المتوقع لهذا العام والبالغ 796 مليار دولار زيادة بنسبة 2% فقط. وهذا أقل من معدل التضخم المتوقع في الميزانية والبالغ 2.5%، إذ يعتقد بعض الاقتصاديين أن هذا المعدل المتوقع للتضخم متفائل بالنظر إلى وتيرة ارتفاع الأسعار حتى الآن هذا العام.
ورأى “تود هاريسون” من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، أن الميزانية المعلنة “ستكون خفضا حقيقيا في الإنفاق الدفاعي. ومن غير المرجح أن يكون الكونجرس سعيدا”، متوقعا أن يضيف الكونجرس، الذي يمكنه تعديل طلب الرئيس، شريحة ضخمة من الإنفاق الإضافي -ربما 30 مليار دولار أخرى- تماما كما فعل مع ميزانية الدفاع في العام الحالي.
وأكد هاريسون أن السياسة المتعلقة بميزانية الدفاع تغيرت بشكل كبير في الشهرين الماضيين. فقبل عام، كنا نسمع تقدميين في الحزب الديمقراطي يتحدثون عن محاولة خفض ميزانية الدفاع بنسبة 10%، ولكن كل هذه الأصوات صمتت حاليا.
تجدر هنا الإشارة إلى أنه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، فقد انخفض الإنفاق الدفاعي في الواقع على مر السنين، من 4.7% في عام 2010 إلى ما يقدر بنحو 3.3% هذا العام.
وبلا شك، يمكن التأكد أن الجمهوريين سيضغطون بقوة من أجل زيادات أكبر على ميزانية الدفاع حال سيطرتهم على أحد مجلسي الكونجرس أو كليهما في انتخابات التجديد النصفي لهذا العام، لاسيما وأن جمهوريين بارزين يدعون حاليا إلى ميزانية تضيف 5% فوق التضخم.
وعلى سبيل المثال، كتب روبرت جيتس، الجمهوري الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد باراك أوباما، في صحيفة واشنطن بوست: “نحتاج إلى جيش أكبر وأكثر تقدما في كل فرع”، منتقدا في الوقت نفسه ما وصفها بـ “الأساليب ضيقة الأفق” للكونجرس، والتي غالبا ما ترفض السماح بترشيد القواعد العسكرية أو التخلص من الأسلحة القديمة لتوفير المال لأسلحة جديدة.
روسيا التهديد الأكبر
أما بالنسبة لحلفاء أمريكا الأوروبيين، فإن روسيا تشكل التهديد الأكثر إلحاحا والأكبر بالنسبة إليهم، ويفسر هذا سبب إعلانهم عن برامج عاجلة لتعزيز قواتهم المسلحة وتحقيق هدف الناتو المتمثل في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد أعلنت بولندا بالفعل عن خطط لزيادة الإنفاق من 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3%، فيما تهدف رومانيا وليتوانيا إلى الوصول لنسبة أكثر من 2.5%.
وربما يأتي التحول الأكبر من ألمانيا التي أعلنت مؤخرا عن خطط لزيادة الإنفاق الدفاعي من 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2%، وإنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (110 مليارات دولار) للمشتريات العسكرية.
لكن يجب التنبه هنا إلى أن التدافع على المزيد من الأسلحة، سيضر مرة أخرى بآفات التشرذم والازدواجية التي ابتلي بها الدفاع الأوروبي وحاول تجنبها على مدى سنوات ماضية.
وقالت كلوديا ميجور من مؤسسة SWP البحثية في برلين: “كان التنسيق قليلا عندما بدأت الدول الأوروبية في خفض الإنفاق الدفاعي بعد الأزمة المالية. هل سيكون أداء الأوروبيين أفضل عندما تتزايد الميزانيات؟ لست متفائلة جدا”.
في ظاهر الأمر، لن يواجه الحلفاء الأوروبيون مشكلة كبيرة في التعامل مع روسيا، حيث يبلغ حجم قواتهم المسلحة مجتمعة حجم القوات الروسية تقريبا، ويزيد عدد سكانها بنحو ثلاثة أضعاف، كما أن إنفاقهم الدفاعي أكبر بحوالي خمسة أضعاف، وناتجهم الاقتصادي أكبر بحوالي عشرة أضعاف.
لكن الإنفاق الدفاعي في أوروبا –وفقا لـ ذي إيكونوميست- غير فعال، إذ إن الإنفاق مقسم بين أكثر من عشرين من الجيوش والبحرية والقوات الجوية ووزارات الدفاع. وتشير تقارير برلمانية ألمانية متتالية إلى أن القوات الألمانية في حالة سيئة، فالعديد من الوحدات غير صالحة للقتال، وغالبا ما يتم تفكيك التشكيلات لتوفير المعدات لأولئك الذين يتم نشرهم أو المطلوبين لمهام الناتو، ما يترك القليل للتدريبات. وعلى سبيل المثال، في يوم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عبر قائد القوات البرية الألمانية اللفتنانت جنرال ألفونس ميس عن إحباطه قائلا: “تستيقظ في الصباح، وتدرك: هناك حرب في أوروبا.. الجيش الذي يسمح لي بقيادته “مكبل أو غير فعال” إلى حد ما. الخيارات التي يمكننا تقديمها للسياسيين لدعم التحالف محدودة للغاية”.
تسارع نحو التسلح
ورأى “بن باري” من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز بحثي مقره في لندن، أن الدول تسارع لإضافة قدرات عسكرية، وأنه للقيام بذلك يجب إعادة إمداد وتعزيز الترسانات بالذخائر وتحسين التدريب، مع محاولة تسريع تسليم الأسلحة الموجودة بالفعل، وأخيرا شراء معدات جاهزة بدلا من محاولة تطوير أنظمة جديدة كاملة من الصفر.
وأشارت المجلة البريطانية إلى أن أول قرار كبير لألمانيا، على سبيل المثال، كان شراء 35 طائرة أمريكية من طراز F-35 لتحل محل طائرات تورنادو القديمة، وذلك للوفاء بدور ألمانيا في تسليم القنابل النووية لحلف شمال الأطلسي. كما قررت ألمانيا أيضا شراء طائرة “يوروفايتر تايفون” القتالية (التي تصنعها مع بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا) والمناسبة للحرب الإلكترونية. وربما يزعج ذلك فرنسا، التي تخشى أن تكون ألمانيا أقل التزاما بنظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS)، وهو مشروع فرنسي ألماني إسباني يربط بين الطائرات المأهولة وغير المأهولة، ومستهدف دخوله الخدمة في عام 2040.
ويعد “اختلاف الأولويات الاستراتيجية” أو عدم قدرة الدول الأوروبية على الاتفاق على التهديدات الأكثر إلحاحا أحد المشاكل الأساسية التي كانت تمنع التعاون، إلا أن الحرب في أوكرانيا قد تجلب المزيد من الانسجام بين هذه الدول.
وأشار تقرير حديث صادر عن وكالة الدفاع الأوروبية إلى أن دول الاتحاد الأوروبي فشلت كثيرا في تحقيق أهداف التعاون، حيث تم إجراء 11% فقط من المشتريات الأوروبية و6% من الأبحاث والتكنولوجيا بشكل تعاوني في عام 2020، بدلا من 35% و 20% على التوالي كانت مستهدفة، وهو ما يطرح تساؤلا أمام الأوروبيين وهو “بما أن الدفاع هو آخر معقل للسيادة الوطنية في أوروبا، إذا ما هي نوع السيادة التي قد تتمتع بها الدول الأوروبية عندما لا تستطيع الدفاع عن نفسها”.