بعد الضربات الجوية المتبادلة.. لماذا سعت باكستان لاحتواء التوترات مع إيران؟
حاولت باكستان وقف التصعيد مع جارتها إيران بعد أن وجهت باكستان القوة النووية ضربات لمجموعات وصفتها بالمتشددة داخل الحدود الإيرانية، وهو ما يدفع للتساؤل حول لماذا سعت باكستان لاحتواء التوترات مع إيران؟
وسرعان ما وضحت باكستان إلى أنها تسعى إلى وقف التصعيد بعد أن وصفت البلدان بأنهما دولتان شقيقتان، وحثت على الحوار والتعاون، وهي نفس اللغة التي استخدمتها إيران في بيان لها يوم الجمعة 19 يناير 2024، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وذكرت الصحيفة وفقا لما نشرته شبكة رؤية الإخبارية، إنه في الوقت الذي تشهد فيه باكستان أخطر الاضطرابات الداخلية منذ سنوات، إن لم يكن عقودًا، فإن آخر شيء يمكنها تحمله هو تصعيد يقود لصدام مع إيران.
وبدا لوهلة أن الصدام بات قريبًا بعد تبادل إيران وباكستان ضربات جوية، واستهدفت كل منهما مجموعات متشددة، إلا أن التصعيد ليس في مصلحة البلدين.
وبالنسبة لباكستان، التي كانت أول من تعرض للضربة، كان من المهم أن تبعث برسالة واضحة مفادها أن انتهاك سيادتها لن يتم التسامح معه. لكن الجيش الباكستاني سرعان ما أعقب تصرفاته الانتقامية برسالة أخرى – رسالة أظهرت رغبته في احتواء التوترات، وهي رغبة مدفوعة إلى حد كبير بالضغوط الهائلة التي كانت البلاد تحتها حتى قبل الاشتباك مع إيران.
وقف التصعيد.. لماذا سعت باكستان لاحتواء التوترات مع إيران؟
وفقًا للصحيفة الأمريكية، فإن نداء باكستان يسلط الضوء على حقيقة واضحة “لا يمكن أن تكون في وضع أسوأ لخوض حرب”. وقد ظلت البلاد لمدة عامين تعاني في خضم أزمة اقتصادية واضطرابات سياسية شكلت تحديًا جوهريًا للسلطة، وتجددت الهجمات الإرهابية في جميع أرجاء البلاد، كما أنها على خلاف بالفعل مع خصمها اللدود الهند، وقد شهدت توتراً في علاقاتها الودية مع حكومة طالبان في أفغانستان المجاورة.
ونقل التقرير عن مدير مركز وودرو ويلسون، مايكل كوجلمن، قوله “في الوقت الذي تشهد فيه باكستان بعض أخطر الاضطرابات الداخلية منذ سنوات -إن لم يكن عقودًا- فإن آخر شيء يمكنها تحمله هو تصعيد يقود لصدام مع إيران”.
ويرى كوجلمن أن الموقف برمته سيكون شديد الخطورة حال علقت باكستان في خضم توترات خطيرة ليس مع واحدة أو اثنتين من جيرانها، بل مع ثلاثة جيران، معتبرًا أن هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق من الناحية الجيوسياسية.
أزمات داخلية في باكستان
جاء الصدام المحدود مع إيران قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة على أحر من الجمر، في باكستان ومن المتوقع إجراؤها أوائل فبراير، وهي الأولى منذ إقالة رئيس الوزراء السابق عمران خان في تصويت قاد إلى حجب الثقة عنه، وأثارت الإطاحة به أزمة سياسية هزت ربوع البلاد.
ومما يزيد من القلق أن العنف الذي تمارسه الجماعات المتمردة التي هاجمت أهدافاً سياسية وعسكرية على حد سواء قد عاد إلى الظهور خلال العامين الماضيين، ما أدى إلى مقتل المئات، حسب نيويورك تايمز.
هذه الهجمات، غذت التوتر المتزايد مع حركة طالبان في أفغانستان، حيث وجدت بعض الجماعات المسلحة ملاذا آمنا منذ أن استعادت الجماعة السلطة في عام 2021، في حين جرى طرد مجموعات أخرى من الأراضي الأفغانية إلى باكستان.
توترات إقليمية
في الوقت نفسه، تجد باكستان نفسها في وضع اقتصادي عسير، حيث تعتمد بشكل كبير على قرض صندوق النقد الدولي الذي يحافظ على اقتصادها، لكنه لا يوفر إمكانية انخراط في عمل عسكري طويل الأمد.
ولعقود، قصفت باكستان بشكل متقطع المناطق الحدودية الأفغانية فيما وصفه مسؤولون باكستانيون بـ “هجمات تستهدف مسلحين باكستانيين. وفي عام 2019، هدد تبادل إطلاق النار بين باكستان والهند على طول حدودهما المتنازع عليها بالانجرار إلى حرب بين الدولتين المسلحتين نوويًا، ولكن جرى احتواء هذا التهديد في نهاية المطاف.
حرب بين إيران وباكستان أمر لا يمكن تصوره
حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى اندلاع حرب بين إيران وباكستان، أو حتى مجرد تبادل لإطلاق الصواريخ بين البلدين على أنه أمر لا يمكن تصوره تقريبًا، على الرغم من التوترات الحدودية العرضية على مدار السنوات الماضية، وفقًا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز.
وظهرت الخلافات على مدى عقود بشأن قضايا مثل الإرهاب ومشروع خط أنابيب الغاز الفاشل والتنسيق الوثيق بين إيران والهند، لكن ظلت علاقات باكستان وإيران الدبلوماسية ودية إلى حد كبير، حتى مع وجود خلافات طائفية، ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، بدأت طهران بتمويل المؤسسات الشيعية في باكستان ويهدد أي تصعيد بتأجيج التوترات الطائفية في باكستان.