تحليل مضمون

بعد اعتذار مدبولي بسببها للسعودية.. ما معنى البيروقراطية وكيف دخلت مصر؟

توجه رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، باعتذار إلي المملكة العربية السعودية، بعدما لآم عليه مسئولون من المملكة بتسبب مصر في دخول البيروقراطية للملكة، ما جعل كثيرون يتساءلون عن معنى البيروقراطية وكيف دخلت مصر؟، وهل وجب على مصر تقديم اعتذار أم لا؟

اعتذار رئيس الوزراء المصري، جاء خلال مؤتمر صحفي عُقد في المملكة العربية السعودية، دار حول الاستثمار وكيف أعاقت البيروقراطية ضخ استثمارات المملكة في مصر، ما دفع لتعهد رئيس الوزراء بالتخلص من كل المشاكل التى تواجه رجال المال والأعمال الذين يسعون لضخ استثماراتهم في مصر في القريب العاجل، مؤكدا أنه تم بالفعل بالتخلص من بعض المشاكل.

كما أشار المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء إلى نجاح الحكومة في التعاطي مع 90 ملف بهم تحديات ترتبط بمستثمرين سعوديين في مصر، تم حل أغلبهم ولم يتبق سوي 14 ملف فقط جاري التعامل معهم خلال الأسابيع القادمة.

 

 

ما معني البيروقراطية؟

 

ومفهوم البيروقراطية كما عرفتها الموسوعة السياسة، فإنها لغويا اشتقت ممن مقطعين: الأول بيرو (bureau)، أي مكتب، والتي كانت تستخدم في بداية القرن الثامن عشر للتعبير عن كلمة مكتب بمعناها العام أي المقرات الإدارية أو أماكن العمل كمكاتب الشركات وغيرها، والمقطع الثاني قراطية (cracy) وهي مشتقة من الأصل الإغريقي كراتُس (κράτος) ومعناها السلطة، والكلمة بمقطعيها تعني قوة المكتب أو سُلطة المكتب.

أما المفهوم الاصطلاحي للبيروقراطية فيشير إلى أنها طريقة للتنظيم الإداري لمجموعةٍ من الناس يعملون معاً بناءً على إجراءات تنظيمية موحدة وتسلسل هرمي للصلاحيات والمسؤوليات والسُلطة.

ووفقا للمعاجم السياسة، عرفتها الموسوعة البريطانية بأنها “تركيز السلطة الإدارية في المكاتب والإدارات”، وعرفها معجم “وبستر” على أنها “مجموعة من الموظفين الرسميين”، كما عرفها القاموس الألماني بـ”القوة والسلطة التي تُمنح للأقسام الحكومية وفروعها لِتُمارسها على المواطنين”، وقاموس الأكاديمية الفرنسية بأنها “القوة والنفوذ اللذان يُمارسهما رؤساء الحكومة وموظفو الهيئات الحكومية”.

وتقول الموسعة السياسة أن فريتز ماركس يرى أن البيروقراطية هي: الشكل أو النمط التنظيمي الذي تستخدمه الحكومة الحديثة لأداء وظائفها العديدة المُتخصصة والمُتضمنة في النظام الإداري والتي تتجسد في نظام الخدمة المدنية بوضوح، وأنها “اتجاه رسمي يهدف إلى تنفيذ الوظائف المرجوة مع التزام التخلي عن الإنسانية والتمسك بالشكليات دون أدنى اعتبار لما قد ينجم عن هذا الاتجاه من آثار ونتائج”.

ويُعرِّف بعضُ المختصين البيروقراطية بأنها: “نمطٌ إداري يتمسك بالشكل دون المضمون ويتسم بالتخلُف الإداري وكُثرة التعقيدات والإهمال والتحيُز”.

 

البيروقراطية.. هل كان يجب الاعتذار؟

 

وفقا للموسوعة السياسية، فإن البيروقراطية “الدواوينية” أو سُلطة المكاتب كما يُسميها البعضُ، هي نِظام إداري تباينت حوله وجهات نظر العلماء والنُقّاد والباحثين في علم الاجتماع والعلوم السياسية، فمنهم من يرى بأنها نمطٌ إداري غيرُ مرغوبٍ فيه ونظامٌ مكتبي يتسمُ بالتعقيد ورتابة الروتين، بل وينظر إليها البعضُ منهم كمرض من أمراض النظام الإداري الحديث وقيدٍ من قيود الإدارة العصرية التي يجب التحرُر منها.

بينما يرى فيها آخرون نظاماً إدارياً نموذجياً -والكلام للموسوعة السياسية- يقوم على التسلسل الهرمي للسلطة ويستندُ إلى لوائح وقوانين إدارية صارمة تؤدي إلى تنفيذ المهام وإنجازها على الوجه الأكمل، أما وجهات النظر المُعتدلة فترى بأنها سلاحٌ ذو حدين فهي تنظيمٌ إداري مفيدٌ ونافعٌ إذا أحسن الإداريون استخدامه وضار ورتيب إذا أفرطوا فيه، ولِكُلِّ فريقٍ مِن هؤلاء العلماء والنُقّادِ والباحثين مِن الشواهد والمعطياتِ ما يُبرر وجهةَ نظره أو يعززها.

كيف دخلت البيروقراطية مصر؟

 

مصر بلد بنته البيروقراطية هكذا كتب الدكتور جمال عبدالجواد في مقالته المنشورة بصحيفة الأهرام بتاريخ 22 نوفمبر 2018، مستدركا في مقالة بأنها أيضا حكمت عليه البيروقراطية بالتأخر والركود

واعتبر أن مصر هبة البيروقراطية؛ حيث أن مصر أقدم حكومة مركزية في تاريخ البشرية؛ اعتمدت على سلطة مركزية متمركزة في حول نهر النيل، موضحا أنه بعد أن تقلبت الأيام على مصر، وحكمها الأجانب طوال ألفى عام، دخلت البلاد فى زمن انحطاط طويل، حتى شرع محمد على باشا فى بناء مصر الحديثة فى مطلع القرن التاسع عشر.

قام مشروع محمد علي على إعادة بناء جناحى الدولة: العسكري ممثلا فى الجيش، والمدني ممثلا في الجهاز الإداري البيروقراطي؛ وحول هذين العنصرين قامت نهضة مصر الحديثة، وقادت البيروقراطية عملية تحويل المجتمع من التأخر إلى التقدم. هكذا قال عبد الجواد

يسرد المقال كيف نهضت مصر بالبيروقراطية، حين أدخل محمد على التعليم الحديث لإمداد أجهزة الدولة باحتياجاتها من الضباط والفنيين والموظفين، مرجعا الفضل لها في النهضة التعليمية في مصر، قائلا:” لم ينشأ التعليم الحديث فى مصر بسبب حب المصريين للحكمة أو تلبية لفضولهم المعرفي؛ ولم ينشأ لتلبية احتياجات المصالح الاقتصادية الخاصة والمجتمع. لقد نشأ التعليم الحديث لسد حاجات الجهاز الإداري، ونمت بين التعليم والجهاز الإدارى البيروقراطي علاقة اعتماد متبادل: التعليم يدرب الطلاب على ما تحتاجه البيروقراطية؛ والأخيرة توفر الوظائف للخريجين”.

وعن الوجه الآخر للبيروقراطية بمعناه السلبي الذي تشكل في مصر، يذكر أنه كان لعلاقة الاعتماد المتبادل هذه مردود رائع على المجتمع فى مراحل نهوضه الأولى، لكن مع تقدم المجتمع، وما صاحب ذلك من تعقد وتركيب الاحتياجات، لم تعد البيروقراطية قادرة على مواصلة قيادة عملية تنمية وتغيير المجتمع، ولم يعد ربط التعليم باحتياجات الجهاز الإدارى يؤدى سوى إلى تدهور التعليم. ومع هذا واصلت البيروقراطية احتلال موقع قيادى لفترة أطول مما ينبغي، ولم يتم حل الرابطة بينها وبين التعليم فى الوقت المناسب، فكانت النتيجة الدخول فى مرحلة تأخر وركود طويل أهدرت الإنجازات الرائعة لمرحلة البدايات فى مطلع القرن التاسع عشر”، مرجحا أن يكون عصر الخديوي إسماعيل هو نهاية البيروقراطية الإيجابية.

 

نشأة النظرية البيروقراطية وكيف ساهمت في نهضة ألمانيا؟

 

وقد ظهرت النظرية البيروقراطية في أواخر القرن التاسع عشر في ألمانيا، على يد عالم الاجتماع الألماني ويبر- Weber “ماكسيميليان كارل إميل ويبر- Maximilian Carl Emil Weber” (21 أبريل 1864– 14 يونيو 1920م) -وفقا للموسوعة السياسية- والذي قام بوضع نموذج نظري يقدم مفهوماً مثالياً للنظام الإداري يتفق مع التوجهات التي كانت سائدة في عصره آنذاك، وقد تأثر ويبر بثلاثة عوامل كان لها أثر كبير في رسم ملامح نظريته وتحديد أفكارها، وهذه الثلاثة العوامل هي:

ومن المفارقة أن التحول المؤسسي الذي شهدته ألمانيا فكان بسبب التنظيم الإداري الرسمي المُحكم والقائم على قوانين ولوائح صارمة، وقتها كان الأسلوب الأمثل لزيادة الإنتاج وبالتالي فقد أهمل النواحي الإنسانية.

ويبر كان ضابطاً في الجيش الألماني وقد كان للتنظيم العسكري تأثيرٌ كبير على توجهه الفكري ورؤيته للأمور، ففي العرف العسكري لا يمكن للجيش أن يتحرك إلا وفق أوامر وتعليمات صارمة؛ فاعتقد ويبر أن هذا الأسلوب يمكن أن يُطبق في شتى المجالات الإدارية.

وكان ويبر عالم اجتماع ذات خلفية عسكرية وبالتالي فقد كان مُدركاً تماماً لنوازع النفس البشرية وعوامل الضعف الإنساني وعدم إمكانية الاعتماد الكامل على العنصر البشري في اتخاذ كل القرارات بتجرد وحيادية؛ لذا فقد اعتقد ويبر بأن القواعد التنظيمية الصارمة هي الضامن الوحيد لعدم تدخل المصالح الشخصية في رسم السياسات الإدارية واتخاذ قراراتها.

وكانت وجهة نظر ويبر إلى النشاط المؤسسي تقوم على أساس من العلاقات السلطوية، وقد وصف النظرية البيروقراطية بأنها تتضمن تخصص عمل، وأنها تسلسل هرمي محدد للسلطة، ومجموعة من الإجراءات والقواعد الرسمية، وتفاعل موضوعي لا يقوم على العلاقات الإنسانية والشخصية، كما أن اختيار الموظفين والترقيات الوظيفية تقوم على مبدأ الاستحقاق.

 

البيروقراطية وإشكاليات التغيير السياسي في مصر

 

وهناك رسالة ماجستير بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تطرقت للبيروقراطية في مصر، والمعنونة تحت “البيروقراطية وإشكاليات التغيير السياسي في مصر” للباحثة زينب إسماعيل عبدالله على البقري، حكمت في عام 2022.

رصدت الدراسة الدور الذي لعبته البيروقراطية في التغييرات السياسية التي شهدتها مصر وقد قامت الدراسة بتتبع مسار البيروقراطية وأوضاعها وتفاعلها مع لحظات التغيير السياسي المحورية في التاريخ المصري منذ لحظة نشوء الدولة الحديثة وتأسيس الجهاز البيروقراطي مع التحديث في عهد محمد علي حتى قيام نظام 3 يوليو 2013.

واستعانت هذه الدراسة بمقولات ”خلدون النقيب” حول الدولة البيروقراطية التسلطية وكيف تؤثر على التغيير السياسي في الدول العربية، ووفقا لخلدون النقيب في كل مرحلة تغييرٍ سياسي محوري في المجتمع تفرز قوى اجتماعيةً مختلفةً تدير صراعاتها داخل الجهاز البيروقراطي، وتفرض الدولة البيروقراطية التسلطية نمطًا ونموذجا معينًا للتغيير السياسي يعيد إنتاج السلطوية في المجتمع.

وتوصلت الدراسة إلى عدة استنتاجات رئيسية وهي:

أن الجهاز البيروقراطي يقوم بدور مزدوج أثناء محاولات التغيير السياسي المتنوعة. هذا الدور المزدوج والمتناقض للجهاز البيروقراطي يتمثل في قدرته على إحداث التغيير السياسي من خلال تغيير بنية السلطة وهيكلتها وإعادة توزيع النفوذ والموارد وعلاقات القوة.

وأن إخفاق الثورات في مصر يرجع إلى حقيقة أن محاولات التغيير السياسي – سواء كانت في شكل ثورة أو انقلاب – لم تُحدث تغييرًا جذريًّا في بنية السلطة، إنما غيرت وجوهها ولم تبحث القوى الثورية عن بنية أخرى لصياغة علاقة الدولة بالمجتمع سوى بنية الدولة الحديثة؛ لتدير بأجهزتها البيروقراطية المجالات الحيوية في المجتمع؛ لهذا يقوم كل نظام سياسي بإعادة إنتاج منظومة الاستبداد دون القدرة على إسقاط آليات الاستبداد نفسها.

زر الذهاب إلى الأعلى