تحليل مضمون

الذكاء الاصطناعي وخطورته على الأمن القومي

ما شهده العالم من طفرات في مجال الانترنت والمعلوماتية في السابق شيء وما سيشهده في الوقت الحالي والفترات القادمة شيء آخر ، ما شهده من طفرات أربكت حياته وغيرت مساراته شيء وما سيشهده اليوم شيء آخر.

ما هو الذكاء الاصطناعي:

 

 

ربما تظن أن هذا المصطلحي العلمي جديد، لكنه بالفعل قديم بدأ التطوير فيه من الخمسينيات وكل فترة يزداد التطوير فيه، لكن ظل الاهتمام به واستخدامه مقتصر على مطوري البرمجيات، حتى جاء عام 2011 وهو فترة الطفرة لحجم المعلومات على شبكة الانترنت، وظهور ما يسمى بمفهوم البيانات الضخمة ( Big Data )، وهنا ظهر استخدام الذكاء الاصطناعي بأدوات برمجية لا تشعر بها، وظيفتها القدرة على معالجة هذه البيانات الضخمة بسرعة عالية.

إذن الذكاء الاصطناعي هو :

 

 

 فرع من فروع علوم البرمجيات يبني على خوارزميات تتطور لكي تستجيب وتحاكي الذكاء البشري، وهو ما يسمى بالشبكات العصبية (neural network)، يشمل هذا التطوير مجال الروبوتات والتعرف على الكلام والتعرف على الصور ومعالجة اللغة الطبيعية الخ من مفاهيم تتطور لتحاكي التصرفات البشرية بشكل أكثر نضجاً ووعياً كالعقل البشري، وهذا مشهود لك في جانب ملموس كالإعلانات الالكترونية، فتجد أنك عندما تكلم صديقك عن منتج ما ، تظهر لك إعلانات لنفس المنتجات التي تكلمت عنها.
شات جي بي تي ChatGPT
شات جي بي تي ChatGPT

التكنولوجيا المربكة:

 

بعد هذا التوضيح نجد أن وظيفة الذكاء الاصطناعي كجزء من أعمال البرمجيات، الهدف منه أن يعمل على الارتقاء بحياة البشر، والعمل على اتخاذ القرارات الصحيحة، بل وأداء بعض المهام الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان، وتستطيع أيضاً أن توظفه في مهام تحتاج للعمل لساعات متواصلة دون الإصابة بالإرهاق، وذلك يساعد على زيادة الإنتاجية، وغير ذلك من المهام والوظائف التي تساعد المجتمعات على التقدم والتطور، خاصة في الوظائف التي يستطيع فيها الذكاء الاصطناعي تجاوز جوانب القصور البشري، كل هذا التطوير يساهم في تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف كل المجالات الصناعية والتعليمية والاقتصادية و حتى السياسية والعسكرية والأمنية.
وهنا تكمن الخطورة فكلما زادت الفوائد زاد ظهور وولادة المخاطر والتهديدات في المجالات نفسها.

أبرز التهديدات:

يترتب على استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات المذكورة سابقاً كثير من التهديدات المباشرة للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي، يمكن الوقوف على أبرزها في النقاط التالية:

 تغيير واستحداث هيكل وشكل الوظائف:

 

يؤثر الذكاء الاصطناعي سلباً على عدد واسع من المهن والوظائف التي قد ينذر بنهايتها ، خاصة المهن الروتينية، مقابل استحداث وظائف أخرى، ففي الثورة الصناعية الرابعة تحل الآلة محل الإنسان، وهو ما يعني الاستغناء عن العاملين فتتزايد معدلات البطالة خاصة أن كثير من الطبقات الوظيفية تستدعي صفاتها البشرية التلقائية للمقاومة لهذا التطوير.
* هنا نقطة مهمة وهي أن الاستغناء عن الوظائف يكون بعد أن يقاوم الانسان هذا التطوير ، فالمطلوب من الإنسان أن يواكب هذا التطوير ولا يقاومه حتى لا تحدث عملية الازاحة والاندثار ، فالتطوير يستحدث مهن جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة، ونتيجة لهذا التطوير يزداد الطلب على الوظائف ذات الصلة بالبرمجة والمعلوماتية.

تحيز البرمجيات والتطبيقات :

 

من النقاط الخطيرة والمؤثرة على الأمن القومي، أن برمجيات الذكاء الاصطناعي تبني على خوارزميات من السهل تطويعها لخدمة غرض معين أو فئة معينة لاستقطاب واستهداف طبقات محددة من المجتمع
وهذا مشهود ومعروف الآن للكثيرين، كمثال كثير من البرمجيات تحاول أن تنشر الشذوذ بين الأطفال عن  طريق استطاعتها تحديد عمر من يستخدمها، باستخدام خوارزميات تحليل الصور والفيديو ، فتظهر الإعلانات الشاذة للأطفال فقط خلال استخدامهم برمجيات الأطفال الموجهة.
والجماعات الإرهابية وأنظمة المخابرات المعادية تستطيع أن توجه الشباب عبر تطبيقات واضحة الاستهداف لتغيير ديموغرافية المجتمع، وأبرز هذه الأمثلة ما قدمته المخابرات الصينية من استهداف الشباب الأمريكي عن طريق تطبيق تيك توك، وما أنفقته المخابرات الأمريكية على تطويرات جوجل للتجسس ومراقبة المجتمعات تحت مسمى التسويق الالكتروني ، وما استهدفه تنظيم داعش الإرهابي للشباب عن طريق تطبيق خاصة به.
الأمثلة كثيرة ومشهودة للعيان الآن بعد ظهور نتائجها وتأثيرها داخل المجتمعات.

الوعي الذاتي:

 

من أشد مخاطر الذكاء الاصطناعي، تطويره بمفهوم الوعي الذاتي ، أي أن يسمح لهذه البرمجيات أن تملك قدراً من الوعي الذاتي المنفصل عن قرار مطوره، وهذا قائم بالفعل الآن عبر تطويرات قدمتها ميكروسوفت ، وتطوير جوجل لبرنامج لامدا.
الوعي الذاتي تكمن خطورته خاصة في الاستخدام العسكري، خاصة استخدام الروبوتات المقاتلة، وفي أفلام الثمانينات قدمت السينما الأمريكية سلسلة أفلام المدمر (Terminator) التي بنيت فكرتها على خطورة الوعي الذاتي للروبوتات

الهجمات السيبرانية:

 

كلما زاد التطور التكنولوجي زادت الهجمات السيبرانية وخطورتها على الأنظمة، فسلوك الهجمات الفيروسية لن يكون كما هو متعارف عليه، بل ستظهر البرمجيات التي تستطيع أن تغير طبيعتها وتحاكي أنظمة التشغيل دون أن يتعرف عليها مضادات الفيروسات.
مفهوم حديث ومتطور من السهل أن يهدم اقتصاد دول في لحظات أو يغير نتائج البورصة لدولة بشكل غير قابل للتتبع.

التنظيمات الإرهابية

 

التنظيمات الإرهابية تواكب التطور وتستخدم التكنولوجيا الحديثة في شن هجماتها ، فالآن يمكن استخدام الطيارات المسيرة عن بعد (الدرونز) المدعومة بالذكاء الاصطناعي لشن هجمات مباشرة، بل وحتى استخدام السيارات ذاتية القيادة للقيام بالأعمال الإرهابية دون التضحية بأرواح التابعين كما في أحداث هجمات برلين ديسمبر 2016 ، وبرشلونة أغسطس 2017

التزييف العميق

 

إن خطورة التزييف الناتج عن الذكاء الاصطناعي يفوق خطورة الأسلحة النووية ، فمن إمكانية صناعة صور وفيديوهات مزيفة بواقعية واتقان، والتي تدمر حياة شخص أو جماعة أو تغير مسار انتخابي أو دولة ، أو قرار سعر سهم في البورصة أو التلاعب بمستندات بنكية، كل ذلك خطير يجعل المجتمعات في مهب الريح.
وهنا يجب تطوير القوانين والبحث الجنائي لكي يواكب هذا التطوير الذي يجعل كل أدوات البحث الجنائي عاجزة عن التمييز وهذا مشهود الآن.
شات جي بي تي
شات جي بي تي

إجمالا:

* ما ذكر هو أمثلة بسيطة وواضحة للفرد العادي على أخطر وأبرز مخاطر الذكاء الاصطناعي، ومنها تسليط الضوء على أنه سلاح ذو حدين، وأن مفهوم القوى العظمي في الفترة القادمة سيتغير فبجانب امتلاك السلاح النووي سيكون امتلاك الذكاء الاصطناعي.
و إن من أخطر ما يقع فيه البشر في مواجهة التحديات والثورات الصناعية الحديثة هو قلة الوعي والنظر أسفل القدم، فإن قمت بمشاركة مجموعة من الناس بالنقاش حول الذكاء الاصطناعي ستجد السؤال المعتاد :
هل الذكاء الاصطناعي سيحل محل البشر لأداء جميع الوظائف ؟
وهذه السؤال يدل على قلة الوعي المتكررة والتي يجب أن يحل محله السؤال :
ما هي الوظائف التي يجب أن يتعلمها البشر للعمل في مواكبة وتوافق مع متطلبات الذكاء الاصطناعي ؟
أحمد بدر
استشاري وخبير تطوير النظم البرمجية والإدارية

Back to top button