دراسة استراتيجية تكشف أهداف التمدد العسكري الصيني في أفريقيا
كشفت دراسة استراتيجية نشرت حديثا أهم أهداف التمدد العسكري الصيني في أفريقيا، الذي لوحظ خلال السنوات القليلة الماضية، واهتمام غير عادي بالقارة السمراء، فما سر هذا التوسع وأهداف التمديد العسكري الصيني في أفريقيا؟
وتأتي صادرات الأسلحة والصناعات الدفاعية ضمن أحد أهم مظاهر التنافس الاستراتيجي ومحاولات استعراض القوة وزيادة النفود، جنبًا إلى جنب مع نشر قوات تلك الدول، سواء في صورة قوات لحفظ السلام، أو تدريبات مشتركة أو قواعد عسكرية صريحة، أو في صورة غير رسمية تتمثل في الشركات الأمنية.
ومن المتعارف عليه، أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على سوق السلاح العالمي، من حيث إجمالي مبيعات وصادرات أسلحة أكبر بكثير من منافسي الولايات المتحدة في ذات المجال، إلا أن بعض المناطق تسيطر على سوق مبيعات الأسلحة فيها قوى دولية أخرى غير الولايات المتحدة، ويظهر ذلك في استحواذ فرنسا على حصة كبيرة من مبيعات سوق الأسلحة في أفريقيا بشكل عام، إلا أنه في السنوات الماضية أضحى هناك تغير نوعي في تلك الموازين في بعض المناطق في العالم ومنها قارة أفريقيا.
الصين والقارة السمراء
وحول تواجد الصين بالقارة السمراء، نشر مركز “فاروس” للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، دراسة تتعليق بالنفوذ العسكري الصيني في أفريقيا بمختلف أنواعه، وتقوم بتحليل مظاهر هذا النفوذ وأبعاده، وكذلك أهدافه ومآلاته.
أولا: مظاهر التواجد العسكري الصيني في أفريقيا:
1-مبيعات الأسلحة
فيما بين عامي 2015 و2019، برزت الصين كثاني أكبر مورد للأسلحة، بعد روسيا، إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بنسبة تقدر بنحو 19% من واردات المنطقة، متغلبة فعليًا على فرنسا بنسبة تبلغ نحو 7.6%.
كما شكّلت الصادرات الصينية من الأسلحة إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء 2.04 مليار دولار ، ما يمثل حوالي 22% من إجمالي الصادرات لعام 2023، والتي بلغت قيمتها 9.32 مليار دولار، فيما شكلت مبيعات الأسلحة الروسية 24% من إجمالي الصادرات إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث بلغت قيمتها 2.24 مليار دولار، بينما شكلت المبيعات الأمريكية 5% فقط من إجمالي الصادرات بإجمالي 473 مليون دولار.
وبشكل عام، يتميز السلاح الصيني بعدة مزايا، أهمها أنه رخيص الثمن، وأن الصين لا تفرض شروطًا سياسية أو اقتصادية على الدول المستوردة لسلاحها، لذا تقوم الصين ببيع بلدان القارة السمراء أسلحة أكثر تقدمًا وتطورًا، مثل المركبات الجوية القتالية بدون طيار من طرازCH-3، ودبابات القتال الرئيسية، والتي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بتكثيف العمليات ضد المتمردين على بعض الحكومات الأفريقية، والتي بدورها تحتاج لتوظيف هذه القطع القتالية بفعالية إلى مدربين صينيين، مما يزيد من وجود الأفراد العسكريين الصينيين في القارة .
2 . قوات حفظ السلام
اعتبارًا من فبراير 2023، أصبحت الصين واحدة من أكبر عشرة مساهمين عسكريين ومساهمين بالشرطة في ثلاث بعثات أفريقية ( بعثة الأمم المتحدة في جمهورية جنوب السودان، وبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، وقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي). حيث إنه اعتبارًا من 31 مايو 2023، أرسلت الصين 1031 جنديًا و17 ضابط أركان و3 خبراء في مهمة إلى بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وكذلك 397 جنديًا و9 موظفين و10 ضباط إلى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي. هذا إلى جانب العملية المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور.
3 . الدبلوماسية العسكرية
شهدت الزيارات الدبلوماسية العسكرية المتبادلة زيادة ملحوظة، بالإضافة إلى زيادة عدد الملحقين العسكريين، حيث زادت الصين عدد الملحقين في أفريقيا من 10 عام 2013 إلى 27 ملحقًا عام 2023، ومن بينهم ستة ملحقين في دول منظمة الإيكواس، بالإضافة إلى الكاميرون وتشاد، ولدى دول المنطقة عشرة ملحقين عسكريين في بكين.
4 . التدريبات المشتركة
تنخرط البحرية الصينية في تدريبات بحرية مشتركة مع دول أفريقية متعددة، كان أبرزها التعاون التكتيكي مع روسيا، لا سيما في مجال التعاون العسكري البحري. ففي نوفمبر 2019، استضافت البحرية الجنوب أفريقية لأول مرة مناورات بحرية مع سفن من البحرية الروسية والصينية، وأجرت مناورات مشتركة في المحيط الهندي قبالة ساحل ديربان، وقامت البحرية الصينية بتكرار نفس التدريبات البحرية مرة أخرى في فبراير 2023. كما تجري البحرية الصينية تدريبات مشتركة لمكافحة القرصنة مع كل من الكاميرون، الجابون، غانا، ونيجيريا.
5 . القواعد العسكرية
رسميًا تمتلك الصين قاعدة عسكرية وحيدة في أفريقيا، وهي قاعدتها في جيبوتي، وتتمثل بداية المشروع الصيني في المعاهدة الأمنية والدفاعية التي تم توقيعها في شهر فبراير2014 في قاعدة الشيخ عمر في جيبوتي بين الحكومتين الصينية والجيبوتية، وهي المعاهدة التي تتضمن إضافة إلى تأهيل القوات المسلحة والأمنية الجيبوتية، بناء قاعدة بحرية عسكرية صينية في جيبوتي مقابل إيجار سنوي 20 مليون دولار بعقد لمدة عشر سنوات و يجدد لفترات مماثلة بعد انتهائه.
6 . الشركات الأمنية
بينما يركز السرد السائد على العائد الفعال للاستثمارات في مشروعات البنية التحتية الأفريقية لمبادرة الحزام والطريق، أو فتح قواعد عسكرية صينية جديدة، بات هناك دور متزايد ومتصاعد لشركات الأمن الخاصة الصينية (PSCs) التي تعمل في القارة الأفريقية وعددهم 4 شركات.
ثانيًا: أهداف ومآلات التواجد والنفوذ العسكري الصيني في أفريقيا:
كشفت دراسة “فاروس” عن أهداف ومآلات التواجد العسكري الصيني وأبرزها النقاط التالية:
حماية الرعايا والعاملين والمستثمرين الصينيين على خلفية تنامي التهديدات الإرهابية ضد الرعايا والشركات الصينية في المنطقة؛ وحماية خطوط التجارة والملاحة البحرية الدولية.
كذلك عزل تايوان وفق سياسة “الصين الواحدة”، والتي تهدف إلى نزع أي اعتراف أفريقي بها، وقد دفعت هذه السياسة كلًا من غامبيا وبوركينافاسو على سبيل المثال إلى سحب اعترافها بتايوان.
تايوان
زيادة المبيعات العسكرية للصين في المنطقة؛ حيث تعتبر نيجيريا وغانا أكبر مستوردي الأسلحة من الصين في غرب أفريقيا، وتوسعت هذه المبيعات في الكاميرون وتشاد وغانا ونيجيريا.
علاوة على أن مبيعات الأسلحة قد تكون بمثابة ورقة مساومة لعقد صفقات شاملة للوصول إلى الموارد الطبيعية.
اكتساب مناطق نفوذ جديدة باستغلال موجة انحسار النفوذ الفرنسي في أفريقيا، وكذلك العقوبات المتعددة على روسيا.
مكاسب جديدة في إطار التنافس الاستراتيجي بين كل من بكين وواشنطن تتماشى مع استراتيجية الصين بعدم الاصطدام بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما توفره أفريقيا للصين حيث لا تعتبر أفريقيا منطقة نفوذ أمريكية تقليدية.