أفشلتها مصر.. تفاصيل المحاولة الأولى لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء
خلال الشهور الماضية، تزايدت تصريحات المسؤولين المصريين التي تحذر من تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، حيث تدرك الإدارة المصرية أن هناك مخططًا قديمًا يُعاد إحياؤه لتصفية القضية الفلسطينية، ويتشابه إلى حد التطابق مع ما يجري حاليًا.
في بداية الخمسينيات جرى التخطيط لتوطين عشرات آلاف الفلسطينيين في سيناء لإنهاء حقّهم بالعودة.
كان القطاع المحاذي للحدود المصرية آنذاك قد بدأ يكتظ باللاجئين، وفي ذلك الزمان، وتحديدا في عام 1949 ، كان القطاع تحت الإدارة المصرية.. ووصل عدد الوافدين إليه من الفلسطينيين نحو مائتي ألف.
غير أن وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة نظرت لهؤلاء كمشكلة اقتصادية، وليست سياسية، وظنت أنه يمكن حل مشكلتهم بتوطينهم في سيناء لبدء حياة جديدة، ضمن ما أسمته آنذاك «مشروع سيناء»، وفقا لما ذكرته ماعت في تقرير فيديو.
يمكنك مشاهدته من هنا
وفي هذا الشأن أجرى القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة بعنوان “مخطط تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناء بدء منذ عام 1951.. حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربي والغربي ودور مصر الإقليمي “، تناول خلالها بداية المخطط وتاريخه ومحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم ورفض مصر القاطع لذلك ودورها المحوري في القضية الفلسطينية.
بدأ المخطط في ديسمبر 1949، بعد أن طردت الميليشيات الصهيونية ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة.
ماذا فعلت الأونروا فى مخيمات الشتات؟
يقول الدكتور محمد خفاجى، تحكي لنا كتب التاريخ المنصفة – التي كشفت عن بعض مراجعها كل من مجلة “نيو لاينز” ومركز “كيفوركيان، لدراسات الشرق الأدنى بجامعة نيويورك – أنه في ديسمبر 1949، بعد أن قامت الميليشيات الصهيونية بطرد ثلاثة أرباع مليون فلسطيني من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في “مخيمات الشتات” خارج فلسطين حتى يتم التوصل إلى حل سياسي يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات، إلا أن “الأونروا” قامت بوضع برنامج عمل لتوظيف اللاجئين وإعادة إدماجهم في الاقتصادات المحلية خارج المخيمات في الأردن ولبنان وسوريا.
ويضيف، في منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكي مدير “الأونروا” بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها وإطلاق نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية، وكان برنامج الأونروا فى ذلك الوقت تم تصميمه للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة سياسية لها بُعد اقتصادى , وبحجة إن هذا من شأنه أن يوفر طريقا مختصرا لحل قضية اللاجئين الشائكة دون الجهد الدبلوماسي الذى لم يفلح فى تحقيق تسوية عربية إسرائيلية بسبب رغبة اللاجئين فى العودة إلى وطنهم، إلا أن هذا النهج عارضه الفلسطينيون اللاجئون بسبب موقفهم الشخصي من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وحقهم السياسى فى تقرير مصيرهم
ويذكر الدكتور خفاجى أنه في العهد الملكى عام 1951 ، عملت “الأونروا” بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية على طرح فكرة تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وكانت حجة أمريكا هى نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية، ودعمت الجمعية العامة هذه الجهود من خلال “صندوق إعادة الإدماج” الذي تبلغ قيمته 200 مليون دولار، والذي تدعمه في المقام الأول مساهمات الولايات المتحدة، إلا أنه بعد ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 اتخذت خطط تنمية سيناء منعطفًا آخر، رغم انشغال الضباط الأحرار بالقضايا المباشرة المتعلقة بالحكم مثل طرد البريطانيين من مصر خاصة من منطقة قناة السويس ومكافحة الفقر والمرض المنتشر، واستغلت أمريكا اللحظات الثورية بتأثير من إسرائيل لمخططها من خلال “الأونروا” بحجة تنمية سيناء الممولة بمساعدات خارجية وخصصت الحكومة الأمريكية عشرات الملايين من الدولارات لدعم الفكرة الشيطانية .
وظلت الضغوط من خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على مخيمات اللاجئين في غزة طوال أوائل الخمسينيات، وفي ذات الوقت تم التأكيد على الولاية القضائية النهائية لمصر على مشروع التهجير بحجة التنمية الاقتصادية فسيصبح اللاجئون خاضعين للقوانين واللوائح المصرية، والسيادة المصرية.
وفي يوليو 1955، شكلت القيادة المصرية فريق لمسح سيناء الذي أودع تقريره النهائي، بأن مشروع سيناء سيؤدي إلى محو الهوية السياسية الفلسطينية وهو ما انتهت إليه القيادة المصرية تحقيقا للسيادة المصرية من ناحية وتأكيدا على القضية الفلسطينية من ناحية أخرى .
ويشير إلي أن الأمم المتحدة قامت في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، بوضع مخطط لتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وكان ذلك بهدف إلغاء حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم ، وقد ترتب على ذلك إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، خاصة وقد ظهرت حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948، ولكن الفلسطينيين في غزة اتحدوا مع بعضهم البعض من خلال انتفاضة مارس عام 1955 في غزة أجبرت أمريكا ومسئولي الأمم المتحدة عن التخلي عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء.
ماذا فعلت مصر مع مخطط تهجير الفلسطينيين إلي سيناء؟
ويؤكد أن مصر لعبت دوراً محورياً فى القضية الفلسطينية ففي عام 1955 الرؤية المصرية توافقت مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسي، مشيرا إلي أن المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط ودعا إلى التوحدات العربية.
وتشير الدراسة، إلي أن المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبد الناصر كان ضد النفوذ الغربي في الشرق الأوسط من خلال السياسة الإقليمية والعالمية، فعلى سبيل المثال في فبراير 1955 تم التوقيع على حلف بغداد، وهو تحالف عسكري بين تركيا والعراق الهاشمية، وقد انضمت إليه لاحقاً المملكة المتحدة وإيران وباكستان، وقام جمال عبد الناصر بمعارضة تلك الاتفاقية لسببين الأول أنها قدمت رؤية بديلة لمصر كمركز للقوة السياسية والعسكرية العربية، والثاني أن التحالف العسكري أثناء الحرب الباردة، بقيادة القوة الاستعمارية السابقة لمصر، لا يمكن أن يتوافق مطلقاً مع التحالفات العربية الإقليمية، وقد كشفت غارة 28 فبراير على أن جمال عبد الناصر قد تبنى سياسة خارجية جديدة تعارض المصالحة العربية الإسرائيلية من ناحية وأي مظهر قوي للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط من ناحية أخرى .
وبحلول نهاية عام 1955، أجبرت المقاومة الفلسطينية المستمرة التخلي عن التهجير لسيناء وفي عهد لابويس مدير “الأونروا” اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم في العالم العربي ، وبدلت الوكالة مسارها بخلاف وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية فالحل السياسي وحده هو الذي يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين، وقد اعترف لابويس بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن اللاجئين سوف ينسون ماضيهم فهم لا يقبلون استيعابهم في العالم العربي.
وأشار إلي أن التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عاماً رغم ظهور قوى جديدة
فبنظرة فاحصة على فشل مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء الذي كان معروضا فى بداية خمسينات القرن الماضي فإنه يدل دلالة قاطعة على التاريخ يعيد نفسه.